الامام الكاظم ظَلَمَهُ محبّوه بعد استشهاده بعقود، فقد أظهروه سجينًا طوال عمره ذاوي الجسد لا حول له ولا نصير، وظنّ المحبون وبنيّة طيبة بأن هذا المظهر سيعرّي أعداءه ويبيّن مدى تعدّيهم على آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن الإمام في الحقيقة رجل مهيب وثّاب مقدام، وهو ثاقب النظر بالغ الذكاء لمّاح، وإرادة التغيير في عقله بركان دائم الثورة، ينثر حمم التحريض ضدّ الحاكم الظالم ومنتهك حقوق المستضعفين في الأرض.
الإمام الكاظم يكظم غيضه نصرة للمشاعر الإنسانية وإخفاءً لأي ميول قد تتسيّد فيها رغبة بتسريع الحكم.
الإمام الكاظم تجلّت في فكره وسلوكه تطبيقات أفكار أبيه جعفر الصادق عليه السلام التأسيسية، البالغة الاقتراب من منطق الواقع، والتي انتهجت منهج إمام المتقين عليّ عليه السلام في الحقّ والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
الامام الكاظم كان ثائرًا حتى وهو في السجن، وكان يعبّر عن ثورته بالاستمرار على الصلاة والدعاء، فكان نقله من سجن إلى سجن آخر هو خوف السلطة من تأثّر السجانين بأفكاره.
الإمام الكاظم ولد عام 127هـ واستشهد مسمومًا عن ٥٤ عامًا وذلك في سنة 183هـ، قضى من عمره ستة عشر عامًا في سجن (هارون الرشيد)، وتقتضي الضرورة أن نقدم الإمام الكاظم لأجيالنا التي تحتاج إلى قدوة بوصفه ثائرًا عنيدًا كريم التضحيات، عمل بكل روح اقتحاميه قبل سجنه من أجل أن يكون الفكر الشيعيّ منطقًا للواقع، فيناهض الهيمنة والتسلّط ، أكثر من ٣٧ عامًا كان الإمام حرًّا طليقًا ولكنه محاصر من سلطات هارون الرشيد، لكنه وفي قلب الحصار والتهديد عمل سرًا وعلانيةً لإيجاد خلايا ثورية إسلاميّة بفكر شيعيّ لا يهادن، فاتسعت قاعدة الممانعة والرفض وولَّدت نظرية ردع متميّزة أدّت إلى زعزعة نظرية البطش الأموية والعباسية، ودعت هارون الرشيد إلى الخوف حتى ممّن هم في السجون فالباطشون لا يعيشون إلا على تصفية الأحرار .
إذا أردنا أن نتصور العصر الثوريّ للإمام الكاظم فما علينا سوى أن نتطلع ونتدبر محركات ومعطيات انتصارات غزة، فتأمل عزيزي القارئ.