البحث المتقدم

البحث المتقدم

٠٩ رجب ١٤٤٧

المرجعية الدينية وبداية المواجهة والصدام ضد التسلط البعثي (5)

 

لذلك بدأ فصل المواجهة بإصدار عدد من القوانين والإجراءات المجحفة، هدفت من وراءها الضغط على المرجعية وتضييق الخناق على مؤسساتها، ومنها ربط العتبات المقدسة والأوقاف الدينية وزارة الأوقاف، وتشريع قانون الخدمة العسكرية الإلزامية على أساتذة الحوزة العلمية وطلبتها، وتطبيقه بحرمانهم من طلب العلم طوال مدة التحاقهم الطويلة بها البالغة سنتين، وعدم إعفائهم منها أسوة بطلبة المدارس والجامعات العراقية.

وعملت على تحديد عدد الزوار الأجانب إلى العتبات المقدسة، وسعت بكل الطرق من أجل ضمان عدم إيصال الحقوق الشرعية كالزكاة والخمس من الخارج للمدن المقدسة، ودخلت قواته الأمنية في مواجهات دامية مع القائمين الشعائر الحسينية، واعتقلت الكثيرين منهم، وعرضتهم لأنواع التعذيب لانتزاع الاعترافات حول حقيقة ارتباطهم بالمرجعية الدينية وارتباطاتها مع الحركة الإسلامية.

وتعرضت كربلاء المقدسة إلى أشد أنواع الاضطهاد، فقد تم مضايقة المجتهد السيد محمد مهدي الشيرازي من خلال منع طباعة كتبه ونشرها ومصادرة بعض ما يتواجد منها في المكتبات، وملاحقة العناصر الحركية المنضوية تحت لواء (منظمة العمل الإسلامي) التي أسسها من قبل، ومنع إصدار منشوراته مثل مجلة (الأخلاق والآداب) ومجلة (المسائل الدينية) ومجلة (القرآن يهدي) وغيرها.

واعتقل أخوه العالم المجاهد السيد حسن الشيرازي (1937 – 1980م) وأودع السجن ومورس ضده التعذيب النفسي والجسدي، وبذلت الكثير من محاولات التوسط لإطلاق سراحه، حتى اضطر الشيرازي إلى مغادرة العراق إلى الكويت ومنها إلى لبنان. وفرضت الحكومة حظراً عاماً على إقامة المناسبات الدينية الخاصة بشيعة أهل البيت (عليهم السلام) لا سيما زيارة العاشر من المحرم، والأربعين، والنصف من شعبان؛ كون هذه الأيام تُذكر الناس ببطولة الإمام الحسين (u) وثورته وتضحيته ومقاومته للحاكم الظالم المغتصب للسلطة. ومثلت تلك المناسبات الدينية مصدر إلهام للجماهير المسلمة تستمد منها الروح الثورية الرافضة للظلم والاستبداد.

قرر المرجع الحكيم الامتناع عن صلاة الجماعة، والاحتجاب في دار له بمدينة الكوفة، فطوقته القوات الأمنية وقطعت عنه خطوط الهاتف، واتخذت إجراءات صارمة ضد من يزوره، ووقعت حوادث صدامات واعتقالات عديدة، ولم يكن بمقدور أحد بعدها فعل ما يمكنه رفع الحصار عن السيد الحكيم، فلقد أحكمت السلطة قبضتها على الموقف وأوجدت حلة من الإرهاب، أدت إلى زرع الخوف في نفوس الجميع، فلم يتجرأ أحدٌ على زيارته إلا في دائرة ضيقة، واضطرت بعض الشخصيات العلمائية إلى مغادرة العراق. فيما سافر السيد محمد باقر الصدر إلى لبنان؛ لتنظيم حملة إعلامية لمناصرة المرجعية بالتنسيق مع ابن عمه رئيس الجمهورية العراقية أحمد حسن البكر، دعاه فيها إلى وقف ما أسماه "التصرفات غير المسؤولة" التي طالت مقام المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف.

وإزاء هذه الحالة أرسلت السلطات متصرف لواء كربلاء شبيب لازم المالكي للتفاوض مع السيد الحكيم كي لا هدم الجسور بينه وبين الحكومة، وبعد ذلك تم اجتماع رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر ورئيس الوزراء صالح مهدي عماش (1925 – 1985) بالإمام الحكيم الذي لم يتراجع أمامهم وواجههم بشجاعته المعهودة، محتجاً بشدة على تلك السياسة الظالمة، مثل الاعتقالات وقانون التجنيد، مبدياً استياءه من باقي الإجراءات، وطالب بإلغائها فوراً، وطلب منها إصدار بيان تكذيب لخبر اتهام ولده السيد محمد مهدي بالجاسوسية. لكن السلطة لم تستجب له، وعندها أُصيب بمرضه الأخير الذي أودى بحياته، فانتقل إلى جوار ربه صابراً محتسباً في 1 حزيران عام 1970م.

 

 

 

المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3

مواضيع ذات صلة