البحث المتقدم

البحث المتقدم

١٢ جمادى الآخرة ١٤٤٧

المرجعية الدينية العليا وانقلاب البعث في 17 تموز 1968 (2)

كان المرجع الحكيم يعيش في قلب المسؤولية، وكانت الأمة وهمومها ومصالحها همه الدائم، واضعاً نصب عينيه فهمه الإصلاحي في كل نواحي الحياة. وكانت له مواقف مجيدة في كل ذلك، فالعالمية طابع حركة مرجعيته، والذي لم يحصرها في إطار بلد معين أو منطقة محددة بل جعل ساح حركته كل العالم الإسلامي، فكان يساعد كل الحركات الإسلامية، سنية كانت أم شيعية، وكان هاجسه إيجاد حالة من الوحدة والتماسك داخل المجتمع الإسلامي، الذي حاصرته الأفكار الضالة والخرافات والفرقة. وحاول السيد الحكيم أن يضع للمرجعية الدينية برنامجاً محدداً (سياسي وعسكري)، تعتمد نظريته على تهيئة مجموعة من الرجال المعروفين بالصلاح والمقربين له؛ ليكونوا واجهةً للتحرك الإسلامي، إلى جانب دعم قيام مؤسسات أكاديمية وثقافية لتخريج الطليعة الشابة المؤمنة.

ومن جهةٍ أخرى أوفدت السلطات الجديدة متصرف لواء كربلاء حسن وداي العطية (1968 – 1969) نيابة عنها لزيارة المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم والعلماء الآخرين، لتقديم التحيات والوعود بأن حكومته ستسير وفق التعاليم الإسلامية ونهج القرآن الكريم، ولن تدخر جهداً في سبيل رعاية المدن المقدسة وعتباتها، وتحقيق المشاريع النافعة لها.

قام رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر بعدها بأسابيع قليلة بزيارة النجف الأشرف في تشرين الثاني 1968، وحل ضيفاً في منزل السيد محسن الحكيم، وقام الرئيس ومرافقوه بتقبيل أيدي المرجع الأعلى، واستفسر عن صحته وما تحتاجه مدينته من خدمات، وتداول معه حول الشؤون العامة للعراق والسياسة الجديدة التي ستنتهجها الحكومة، وانفتاحها على فئات المجتمع العراقي كافة، واظهر الوفد أن الحكومة بحاجة إلى دعم المرجعية الدينية لتكسب نقاطاً إيجابية محلياً وإقليمياً، وقامت الصحف العراقية بنشر نبأ الزيارة بعناوين بارزة وأبرزتها محطة إذاعة بغداد في جميع نشراتها الإخبارية.

أدرك المرجع أن تلك الزيارة تهدف إلى كسب الرأي العام لصالح الحكومة، وتسخير الحدث لخدمة مصالحها، لا سيما في ضوء نشر وسائل الإعلام أخباراً كاذبة مفادها أن السيد الحكيم قدم الدعم الكامل لزعماء الانقلاب وقادته وأعلن تأييده لهم.

مما أثار حفيظته ودفعه إلى الإيعاز بإصدار بيان شديد اللهجة مطالباً فيه إعادة نشر الخبر بشكله الحقيقي، مؤكداً أن الزيارة كانت مفاجئة. وعلى الرغم من إقرار السلطة بذلك لاحقاً، لكنها ردت بطويق عمل الحركة الإسلامية، كما أجرت اعتقالات للبعض في زيارة أربعينية الإمام الحسين (ع)، من دون أسباب مقنعة، وقد دشن ذلك الموقف بداية التوتر في العلاقات بين الجانبين. 

انتهى 

المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3 ص 236

مواضيع ذات صلة