البحث المتقدم

البحث المتقدم

سورة الانشقاق ومواطن الجمال

0 تقييم المقال

 

جمعتني محاورة ذهنية مع ما قدمته الباحثة عاطفة سليمي في دراسة أسلوبية عن سورة الانشقاق، قلت لها إن الدراسات التقليدية في بلاغة القرآن وفصاحته فقدت بهاءها ورونقها في عصرنا الراهن، لا أعرف مدى الإيمان بهذه القضية التي ذكرتيها؟

أجابت الباحثة عاطفة سليمي، ربما وربما أيضا ما سنكتبه من دراسات هي قاصرة عن بلوغ المستوى العلمي النقدي المطلوب، يبدو لي أن الدراسات النقدية اللسانية الجديدة خير طريق للبلوغ إلى بيان جوانب البيان القرآني، وعلو منزلته كإعجاز، والكثير من الباحثين استعانوا بالأسلوبية كونها تجمع بين العلم والمنهج، وكون هذا الأسلوب لا يتوقف عند الشرح والتوضيح، بل يكتشف مواطن الجمال.

سورة الانشقاق هي السورة مكية وعدد آياتها 25 آية، تبدا السورة في ذكرها لأحداث نهاية العالم ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ﴾ فتلاشى نجومها وأجرامها، واختل نظام الكواكب فيها، ولأجل ألا يتوهم أحد أن السماء بتلك العظمة بإمكانها مقاومة الأمر الرباني ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ والأرض تمد بعدما ينسف الجبال عنها، وقيل لتسع حشر الخلائق جميعا في شرح الفخر الرازي

أما في معنى ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ المعروف بين المفسرين أن الآية تشير إلى إلقاء الأرض بما فيها من موتى، يخرجون من باطن القبور إلى ظاهر الأرض مرتدين لباس الحياة من جديد، ومثل هذا الموضوع طرح في سورة الزلزال أيضا ﴿وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ وفي سورة النازعات ستخرج الكنوز أيضا، وفي تفسير ﴿َٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَٰاقِيهِ﴾

 

 

الآية تشير إلى أصل أساسي في الحياة البشرية، الحياة دائما ممزوجة بالتعب والعناء وأن كان الهدف منها الوصول إلى متاع الدنيا، فكيف إذا كان الهدف الوصول إلى رضوان الله سبحانه، ونيل حسن مآب الأخرة.

وقال الإمام علي عليه السلام إنها تشق من المجرة، والحديث يعتبر من الإعجاز العلمي لأمير المؤمنين عليه السلام، يقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ ويعني الخضوع والتسليم والطاعة، أما السجود المتبادر إلى الذهن بوضع الجبين على الأرض فهو أحد مضارب السجود، أما فضيلة قراءة السورة المباركة، قال النبي صلى الله عليه وآله (من قرأ سورة الانشقاق عاذه الله أن يؤتيه كتابه وراء ظهره)، وقال الإمام الصادق عليه السلام (لن يحجبه الله من حاجة ولم يحجزه من الله حاجز).

عدت لمحاورتي مع عاطفة سليمي أسالها عن معنى تناولها الفاصلة، فقالت الفاصلة في القرآن كالسجع في النثر، اللفظ الذي ختمت به الآية الكريمة، وتسميه الفاصلة عندما تكون اقتباسا من قوله تعالى ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ في سورة الانشقاق نسمع موسيقى جميلة  تستلذها الأذان ،الفاصلة في الآيات الخمس الأولى ختمت بحرف التاء (انشقت، حقت، مدت، تخلت، حقت) التاء وهو حرف شديد مهموس وصوتها منقطع من أول التصادم والهمس، صفة ملازمة الهاء وهي الشدة، تؤثر في النفس وتلقي صعوبة ذلك اليوم، وتكرير الراء في (يسيرا، مسرورا، ثبورا ، سعيرا، مسرورا، بصيرا) وتكرار القاف تدل على الانقلاب، والهول والعظمة.

أقسم الله في الآيات ﴿فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ، وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ، وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ، لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ﴾ هذه المراحل تدل على الانقلاب وكذلك على الشدة والكدح في المراحل.

ختمت السورة بحرف النون يخرج من طرف اللسان لا يوصف بالشدة، لأن فيها جزء يجري فيه الصوت هو (الغنة) ولا توصف رخوة لأن فيها جزء ينبجس فيه الصوت وهو الطريق اللساني ليناسب كل الفريقين ﴿فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ۩، بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ، وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُوعُونَ، فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونِۭ﴾

نعم
هل اعجبك المقال
مواضيع اخرى للناشر
أعلى المقالات قراءة للناشر