يتناول هذا البحث مقارنة بين الحواريين الذين رافقوا النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والحواريين الذين التفّوا حول النبي عيسى (عليه السلام)، مستندًا إلى مواقفهم وسلوكياتهم في سياق الرسالة الإلهية. تسلّط الدراسة الضوء على الفروقات الجوهرية في مواقفهم من النبوة، والطاعة، والتضحية، ودور الشخصية النبوية في تشكيل مواقف أتباعها.
محاور الدراسة
-
طبيعة الطلبات والاختبارات الإيمانية
كان حواريّو النبي عيسى (عليه السلام) يسألون عن المعجزات الحسية لإثبات إيمانهم، كما جاء في طلبهم إنزال المائدة من السماء، والذي دعا النبي عيسى إلى التضرع لله لتلبية رغبتهم، مع التأكيد على أن ذلك سيكون آية ملزمة لهم وموجبًا لعقوبة شديدة في حال الكفر بعد ذلك. في المقابل، لم يطلب أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من رسولهم آيات مادية لتثبيت إيمانهم، بل أظهروا استعدادًا للتضحية المطلقة في سبيل الله. -
الاستجابة للقيادة النبوية
أظهر حواريّو النبي محمد (صلى الله عليه وآله) التزامًا استثنائيًا بتوجيهاته، كما يتجلى في مقولة المقداد بن الأسود: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون". تجسّد هذه الاستجابة روح الفداء والاستعداد للمواجهة حتى في أحلك الظروف، بعكس ما ورد عن بني إسرائيل الذين قالوا لموسى (عليه السلام): "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون". -
مواقف الشهادة والتضحية
قدّم الصحابة نماذج بارزة في التفاني والتضحية، حيث كان بعضهم يسقط شهيدًا بين يدي النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهم يرددون: "فزنا وربّ الكعبة". ومن الأمثلة البارزة، ما فعله عمارة بن يزيد في غزوة أحد حينما ألقى برأسه على قدمي النبي حتى فارق الحياة. كما أن هناك مشاهد فريدة للتضحية، مثل موقف عمرو بن الجموح الأعرج، الذي أصر على الخروج للجهاد رغم إعاقته، واستشهد مع أبنائه وأفراد عائلته. -
دور النبوة في تكوين الحواريين
يعكس الفارق بين الحواريين طبيعة الدور الذي لعبه كل نبي في إعداد أتباعه. فقد كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) قائدًا عسكريًا ومدبرًا سياسيًا إضافة إلى كونه رسولًا، مما جعله يهيئ أتباعه لمواجهة التحديات العملية الكبرى. أما النبي عيسى (عليه السلام)، فقد ركزت رسالته على الجانب الروحي والتبشيري، مما انعكس على طبيعة مطالب أتباعه واستجابتهم للرسالة.
النتائج والاستنتاجات
تُظهر هذه الدراسة أن حواريي النبي محمد (صلى الله عليه وآله) امتازوا بالتزام مطلق، وتفانٍ لا حدود له، واستعداد للشهادة دون تردد، بينما كان حواريّو النبي عيسى (عليه السلام) أكثر ميلًا لطلب المعجزات والحجج الحسية كإثبات لإيمانهم. هذا الاختلاف يعكس طبيعة كل رسالة نبوية وظروفها، ويبرز مدى التأثير العميق لشخصية النبي في تشكيل هوية أتباعه.
خاتمة
يُبرز التحليل مدى تفوق أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في الالتزام والتضحية مقارنة بحواريي النبي عيسى (عليه السلام)، وهو ما يُفسَّر بعظمة الرسالة المحمدية وشخصية الرسول الفذة التي صنعت أمة مستعدة للبذل في سبيل العقيدة.