بعد سقوط النظام المقبور عام 2003 واجه العراق واحدة من أعقد أزماته الاجتماعية والسياسية تمثلت في انهيار الثقة بين المواطن والدولة وغياب المؤسسات الفاعلة ما أدى إلى تفاقم الأزمات الخدمية وانتشار الفساد والاضطراب الأمني هذا الواقع جعل الشارع العراقي يعيش حالة من القلق والريبة تجاه أي سلطة حاكمة.
وسط هذه الظروف العصيبة برز المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني بدور محوري لم يقتصر على تهدئة الشارع فحسب بل امتد إلى إعادة بناء الجسور المقطوعة بين المجتمع ومؤسسات الدولة.
جاء ذلك من خلال خطاباته المتزنة ومواقفه الوطنية ودعوته الدائمة إلى احترام القانون والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بوصفها الوسيلة الحضارية للتغيير.
أسس السيد السيستاني ثقافة جديدة قائمة على المشاركة الشعبية والرقابة المدنية مما ساهم في ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وأعاد الأمل للمواطن بأن التغيير ممكن عبر الوسائل السلمية.
فالمرجعية الدينية في النجف الأشرف تتمتع بمكانة اجتماعية ودينية، وتؤدي دور النصح والإرشاد لحماية مصالح الناس والحفاظ على السلم الأهلي.
كان للسيد السيستاني مواقف مفصلية منذ عام 2003 وحتى اليوم ففي العملية السياسية بين عامي (2003 – 2005)، رفض تعيين مجلس كتابة الدستور من قبل سلطة الاحتلال وطالب بانتخابه شعبياً ما عزز الشعور بالملكية الوطنية للعملية السياسية.
كما كان له الدور الأكبر في حثّ المواطنين على المشاركة الواسعة في الانتخابات الأولى، مما رفع نسب الإقبال ومنح المؤسسات المنتخبة شرعية أكبر.
ولا يمكن ان نغفل عن فتوى الجهاد الكفائي عام 2014 التي شكّلت نقطة تحوّل حاسمة في مواجهة تنظيم داعش، وحمت العراق من الانهيار الكامل، ورسّخت مبدأ أن الدفاع عن الوطن واجب مقدس يشترك فيه الجميع.
وفي خطاباته الإصلاحية بين عامي (2015 – 2019)، حذّر السيد السيستاني من الفساد المستشري وطالب بتشكيل حكومة كفؤة، ودعم حق التظاهر السلمي، وشدّد على حماية المحتجين، ما أعاد للمواطنين بعض الثقة بأن صوتهم مسموع كما أكد على احترام إرادة الناخبين وعدم الالتفاف على نتائج الانتخابات معتبراً أن حماية السلم الأهلي أولوية قصوى وأن التغيير الحقيقي يجب أن يتم عبر الوسائل السلمية وصناديق الاقتراع.
إن المرجعية في النجف الأشرف استمرت بدورها الرقابي الأخلاقي من دون التدخل المباشر في الحكم وهو ما جعل خطابها يتحول من عامل تهدئة مؤقت إلى مسار دائم لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على عقد اجتماعي متوازن يعيد للمواطن ثقته بمؤسسات الدولة ويعزز استقرار النظام الديمقراطي في العراق.