يقولون بأني اخطأت عندما كتبت عنوان الموضوع (ذبيح شاطيء الفرات) فيقولون : هذا جهل مني لأن الحسين لم يُذبح وإنما قتل وبعد ما مات قطعوا رأسه.
ثم قالوا: بأن الحسين لم يُقتل على الفرات إنما أخيه العباس هو من قتل على الفرات وهو ساقي عطاشا كربلاء.
وقالوا : بأن النص في إرميا يقول : (في الشمال عند نهر الفرات) مع أن المعركة وقعت في جنوب العراق؟
الجواب على ذلك : أن نبي الله إسماعيل لم يذبحه ابوه النبي إبراهيم، لأن الله فداه بكبش عظيم كما يذكر الكتاب المقدس والقرآن، ومع ذلك يطلقون عليه لقب الذبيح. فيقول سفر التكوين: (فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وذبحهُ عوضا عن ابنه).(1) وهذا ما يؤكده القرآن فيقول : (قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك .. وفديناه بذبحٍ عظيم). (2)
هذه الآيات تؤكد عدم ذبح إسماعيل ولكن مع ذلك يطلقون عليه الذبيح.
لقد عرف الأقدمون أن المذبوح ليس كبش أو خروف، فقد شعروا أن في هذا النص تكمن اسرار ستتحقق، وأن ما رآه إبراهيم إنما هو نبوءة لحدث سوف يُفدى فيه الدين بشخص ذي قدسية عالية،ولذلك اتفقت كل التفاسير المسيحية على أن الكبش أو الخروف الذي فدى الرب به إسماعيل هو رمز لذبيحة بشرية مقدسة فزعموا أن المسيح هو المذبوح.(3) فارادت المسيحية بذلك ان تحوز هذا الشرف العظيم، ولكنها صُدمت عندما رأت أن المسيح حسب عقيدتهم تم صلبه ولم يُذبح ولم يوضع سيف على رقبته. وحسب عقيدة المسلمين فإن يسوع المسيح لم يُذبح ولم يُصلب ولم يقتل، ولم يصل الفرات. بل رفعهُ الرب إليه. وقد كتبت بحثا تحت عنوان (وفديناه بذبح عظيم) . قرأه بعض القساوسة فبكوا كثيرا لما ورد فيه من حقائق على أن الكبش المذبوح هو الحسين بن علي وليس يسوع المسيح الذي يطلقون عليه (الخروف المذبوح). يوحون بهذا النص المزيف إلى المسيحية بأن يسوع هو بشارة النبي إبراهيم وخروفه وأن يسوع هو الفداء.
من هنا أقول : بأن الكتاب المقدس والقرآن أكدّا على أن اسماعيل لم يُذبح ، ولكن مع ذلك يطلقون عليه لقب (الذبيح) فلم تُراق قطرة دم واحدة من إسماعيل. ولذلك نرى نبي الإسلام يقول في اكثر من حديث بأنه (ابن الذبيحين).(4) ويقصد بذلك إسماعيل وأبيه عبد الله . فمع انهما لم يُذبحا ولكن النبي قال عنهما بأنهما (ذبيحان). ولا يُستثنى القديس الحسين من ذلك. فقد قطّعوه بالسيوف أولا ثم وبعد ان بقى به رمق وضعف عن القتال ، جثم الشمر على صدره وذبحه. فهو ذبيح. لا بل كما يُروى تاريخيا بأن سنان أو الشمر قال له : (لأذبحك من القفا). ودليل ذلك ما ورد في زيارة الناحية المقدسة التي يخاطب فيها القديس الامام المهدي جده قائلا : (....على الخدود لاطمات وبالعويل داعيات، والشمر جالس على صدرك، مولغ سيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورفع على القنا رأسك..).(5)
واما الذبائح العادية ففي ذبحها مجرد امتثال لأمر الرب كما يقول : (لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم).(6) وهذا ما أكد عليه الكتاب المقدس : (فعل العدل والحق أفضل عند الله من الذبيحة). (7) فحصة الرب من الذبيحة هي الامتثال والطاعة.
اما الاشكال الثاني الذي يزعمون فيه أن الحسين لم يُقتل على الفرات وإنما العباس ، لأن كربلاء بعيدة عن الفرات.
الجواب : كل من سقط على ضفاف نهر الفرات يُطلق عليه قتيل الفرات بعيدا كان او قريب وحتى على أحد فروعه. مع العلم أن العباس لم يقتل على الفرات ، بل قتل على فرع من شط الفرات هو نهر العلقمي.والحسين وقع على بعد امتار منه.
أما نهر الفرات فليس المقصود منه النهر الجاري فقط ، بل المقصود المكان الواسع أيضا كما يُقال للوسط العراقي كله (الفرات الاوسط). وتشمل المنطقة الجغرافية جنوب بغداد (بابل ، الديوانية، كربلاء، النجف). وقد ورد في الروايات الكثيرة بأن الحسين قتل على شاطئ الفرات كما نقرأ في قول تميم بن حصين الفزاري للحسين : (أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيّات).(