وأبدت بعض المرجعيات الدينية معارضتها لهذه التحالفات والتكتلات الدولية الاستعمارية، وقابلتها بالرفض التام والإدانة المباشرة، والطعن الأكيد بمشروعيتها والمطالبة بالإطاحة بها، وجسّد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ذلك الموقف خير تجسيد، فقد دعا إلى الابعاد بالشعب العراقي عن الدخول في هكذا أحلاف استعمارية، وقال: "كيف نحالف تركيا وهي صديقة (إسرائيل) في الوقت الحاضر وأول دولة اعترفت بها ولا تزال تؤيدها وتروج بضاعتها وتجارتها؟!
واستمر الشيخ بالحديث عن ذلك قائلا: "إن تركيا هي عدوة العرب والإسلام، وصديقة الصهاينة والحكمة تقول (صديق عدوي ليس بصديقي) وقد باعت تركيا شرف استقلالها بالدولار. وصارت آلة لأمريكا تصرفها كيف تشاء، وبإشارة منها أصبحت أكبر مساعد لإسرائيل اللقيطة أمريكا وربيبتها المدللة".
وبعد وفاته رحمه الله تعالى ترجم الوطنيون مواقفه بشجاعة على أرض الواقع، فخرجت المظاهرات الحاشدة في النجف الاشرف في آذار ونيسان 1955م تندد بالحلف وتطالب بإسقاطه، قادتها مختلف القوى والتيارات المعارضة، مما أدى إلى صدامات دامية مع قوات الشرطة، أسفرت عن سقوط أحد عشر شهيداً من المتظاهرين فرب الصحن الحيدري الشريف، إلا أن ذلك لم يجد نفعاً، فقد هب المتظاهرون إلى حمل نعوش الشهداء وسط هيجان شعبي محتدم، متجهين بها صوب بيوت العلماء من أعلام المرجعية، الذين منهم السيد علي بحر العلوم، والشيخ علي محمد رضا كاشف الغطاء، وآية الله الشيخ عبد الكريم الجزائري.
وأستشعرت الفئة المثقفة التي عملت توّاً في الاتجاه السياسي الإسلامي والمقرّبة من فقهاء المرجعية بالخطر الداهم الذي يمثله النفوذ الاستعماري، وسيطرة المستعمرين على بلاد المسلمين، فتصدروا له، وأبدو تحفظاً واضحاًًًًًً تجاه الحلف، لأمرين: أولهما ارتباطه بـ (الولايات المتحدة الأمريكية) التي كانت في اعتقادهم، السبب الرئيس في مشكلة فلسطين، وثانياً ارتباطه (بتركيا)، التي يرون فيها دولة تمثل العدو التقليدي للعراقيين فيما مضى.
وندد الامام المجدد السيد محمد مهدي الشيرازي من كربلاء المقدسة بذلك التحالف الدولي الذي سماه "الحلف الاستعماري المشبوه"، وكرس ولمدة شهور عديدة مجلة (الأخلاق والأدب) الصادرة في كربلاء رئاسة أخيه السيد حسن الشيرازي، لمهاجمة حلف بغداد، وفضح نواياه "العدوانية الاستعمارية البغيضة"، كما دعا أبناء الشعب العراقي إلى مقاومته والتصدي لكل الحكومات التي وقعت عليه، وفي مقدمتها حكومة العراق ونظام الشاه البهلوي في إيران.
انتهى ...
المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3 ص 193