هذا ما بدأته ام الشهيد (عباس جعفر) التي عادت بذاكرتها الى العقد الثامن من القرن العشرين، ففي عام (1981م) ولد فلذة كبدها الذي اسماه المرحوم والده (عباس) لينال من اسم أبي الفضل نصيبه الاوفى من الشجاعة، وحظه الأمثل من البطولة، فكان (كأبي الفضل العباس عليه السلام) بطلا مقدامًا يذود بنفسه دون الحسين عليه السلام، وشاءت حكمة الله ان يستشهد وله من العمر خمسة وثلاثون عامًا، بعدد سني عمر العباس عليه السلام!
كان قد أسس مع إخوته الأربعة موكبا لهم في مدينة كربلاء لخدمة الزائرين.
ام الشهيد تتحدث بفخر عن ولدها قائلة "لطالما ردد بحسرة (يا ليتنا كنا معكم، يا مولاي)"!
فكنت اخفف من حسرته بالقول (انت معه يا بني ما دمت تمضي على نهجه) !
والحمد لله ما إن أصدرت المرجعية الدينية العليا فتواها الدفاعية، وقفت يدً بيد مع أولادي الثلاثة الذين لبوا النداء، وأملي ان أنال معهم اجر المجاهدين، فها انا ذا اليوم اقف بكل عز وفخر مع ولدي المجاهد أحد ابطال لواء علي الأكبر، بعد ان قدمت ولدي (عباس) شهيدا على مذبح الإسلام.
لستُ أنسى وصية ولدي الشهيد حينها قال:
(امي الحنون.. اعلم جيدا ان قلبك الرحوم والعطوف سيؤلمك لفقدك اياي.. ولكن املي ان تكوني قوية كما عهدتك، ولا تهززك العاطفة يوم يأتي جثماني وقد لفه العلم العراقي.
أماه.. كوني قدوه لباقي الأمهات.. كي يقتدين بك.. انثري الزهور عندما يشيع جثماني الى جنة الفردوس، وأزف الى داري في الآخرة الذي أمضيت السنين من عمري وأنا ابنيها، وكلي شوق لرؤيتها..
أتعلمين يا امي من سأجد هناك واقفا ليستقبلني ودموع الفرح في عينيه؟!
انه والدي رحمه الله.. أراه واقفا يرفع رأسه في شموخ وفخر لكونه أبا للشهيد..
سيشم رائحة الدماء الزكية على جسدي، وعيناه مغرورقتان بالدموع من شدة فرحته..
سأمسح دموعه بيدي حتى وان كانت جريحة.. وبعد ذلك أحدثه عنك يا أماه، وما مرت عليك من مصاعب حتى أصبح أولادك رجالا وآباء..
امي الغالية.. لطالما قبلت قدميك شوقا للجنة.. فأسلك بحق من جعل رضاه من رضاكما.. الدعاء لي بنيل الشهادة، وشم رائحة الجنان..).
ولدي العزيز.. ها انا قد نفذت وصيتك وأكملت دورك الجهادي بالثبات والايمان..
نثرت الورود في ذلك العرص الملكوتي كما أوصيت.. وقفت قرب جثمانك ورفعت يدي الى السماء وناديت ربي قائلة "اللهم تقبل منا هذا القربان".
فأنا يا ولدي لم أربك لتكون مجاهدا لوحدك، بل اطمح ان أنال اجر المجاهدين معك..