إنَّ قراءة أولية للآية المباركة نراها تحث المؤمنين على الجهاد عامة، وتؤكد مقام المجاهدين عند الله تعالى.
ويمكن بيان موضوعات معينة لها علاقة وثيقة بذلك.
-أولًا: صور الجهاد في القرآن.
إنَّ القرآن الكريم قد تضمَّن موضوع الجهاد في صور متعددة تؤكد أسبابه وغاياته، ويمكن عرض الصور الثلاث الآتية:
١- الجهاد في سبيل الله.
قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)). البقرة: ٢١٨
٢- الجهاد في الله.
قال تعالى: ((وَجاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهادِهِ)). الحج: ٧٨
٣- الجهاد فينا.
قال تعالى: ((وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)). العنكبوت: ٦٩
-ثانيًا: الأقوال الواردة في تفسير الجهاد (فِيْنَا).
ذكر شيخنا الطبرسي قدس سره (ت٥٤٨هج) في بيان المراد من ذلك بالأقوال الثلاثة الآتية:
١- إنهم جاهدوا الكفار ابتغاء مرضاتنا وطاعة لنا.
وإنَّ هذا التقييد منه (مرضاتنا وطاعة لنا) يؤكد مدى خلوص هذا الجهاد من نوايا أخرى قد يفكِّر أو يبتغيها المجاهد في عمله، مثل الحصول على مغانم كثيرة، أو مناصب وفيرة وغيرهما.
٢- إنهم جاهدوا أنفسهم في هواها خوفًا منَّا.
وفي ذلك إشارة إلى جهاد النفس وهو الجهاد الأكبر، الذي أكدت تعاليم الشريعة المقدسة عليه، وهو لا يختص بزمان أو مكان معيَّن، وفيه تلك الآثار العظيمة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا).
٣- إنهم اجتهدوا في عبادتنا رغبة في ثوابنا، ورهبة في عقابنا.
وفيه حث على بيان أهمية العبادة ودورها في المقامات العالية التي يمكن أنْ يصل الإنسان إليها.
-ثالثًا: المقومات الأساسية للجهاد.
إنَّ للجهاد في سبيل الله تعالى بصورة عامة له مقومات متعددة يجب أنْ تتوافر في المجاهدين لتحقيق تلك الغايات العظيمة، ويمكن بيانها بالآتي:
١- الإيمان التام والاعتقاد بهذه الفريضة الإلهية في حفظ الدين ومعالمه من كيد أعدائه.
٢- الاستعداد الروحي والبدني للجهاد، مع تهيئة ما يتعلق به من قوة وسلاح.
٣- النية الخالصة لله تعالى فيه، بل وخلوصها من بواعث أخرى.
فإنَّ هذه المقومات الثلاثة لها أثر كبير في تحقيق غاية الجهاد، ونصر المجاهدين، وقد رأينا ذلك في تاريخنا الإسلامي والمعاصر، حيث النصر الإلهي لعباده المؤمنين، والشواهد متعددة، ولأجل ذلك يجب تربية جيلٍ واعٍ مستعدٍّ ومتدربٍ على فنون القتال ومعرفة مقوماته؛ لمواجهة الأعداء.
-رابعًا: ثمار هذا الجهاد (فِيْنَا).
لقد ذكرت الآية المباركة تلك الثمار العظيمة لهذا النوع من الجهاد (لنهدينهم سبلنا)، وفي هذه الآثار نرى:
١- الهدية. حيث تم التوكيد على تحققها من قبل الله تعالى لعباده المجاهدين، إذ:
- التوكيد بحرف اللام الداخل على الفعل المضارع.
- التوكيد بحرف النون المشددة.
- الفعل المضارع الدال على الاستمرار والتجدُّد.
- مادة (هدى) وما تتضمنه من معنًى عظيم محبب للنفس الإنسانية عامة.
٢- إضافة السبيل إليه تعالى بالضمير (نا).
وفيه بيان لعظمة تلك الآثار، حيث:
١- جمع السبيل.
٢- تنكير السبيل ودلالته على التعظيم.
وفي كل ذلك من الأسلوب المستعمل في بيان هذه الثمار تأكيد على أهمية هذا الجهاد، وعظمة آثاره.
ومما ورد في بيان المراد من (السبيل) هو:
١- الطريق الموصِل إلى ثواب العظيم.
٢- التوفيق لأداء الطاعات على أحسن ما يكون والحصول على ثوابه.
ختامًا..
إنَّ هذه الدعوة للجهاد هي ترغيب للمؤمنين في الفوز بهذا الثواب العظيم، وتسلية لهم على ما يمكن أنْ يلاقوه من مشقة وأذى، فالوصول إلى هذه المقامات أمر يمكن تحقيقه، ولا بد من السعي إليه؛ لحمل أنوار التعاليم الإلهية إلى العباد، وتحقيق الحياة الطيبة.