تبدو الانتخابات الأمريكية هذه المرة في دورتها 47، أكثر تشنّجا ووعيدا من سابقاتها، في ظاهرة قد تكون خطيرة على مستقبل بلد فيدرالي، لم يجتمع إلا بالقوة العسكرية، وبعد حرب أهلية مريرة بين شماله وجنوبه (American Civil War)، دامت أربع سنوات تقريبا( 1861/1865)، خلّفت ما بين 620.000 إلى 750.000 قتيل بين الطرفين الأمريكيين(1).
خطورة هذه الدّورة، تمثّلت في تهديد محتمل بإدخال البلاد في حرب أهلية، قد تندلع من هذا الطرف أو ذاك، مدفوعة بالنظام الصهيوني كدولة عميقة، متحكمة أساسا في السياسة الخارجية الأمريكية،
لكن الأرجح اليوم، أنّ ما تشهده السياسة الأمريكية، من تحرّش بالقوى العالمية الأخرى المنافسة لها، والتي تعتبرها عدوّة وهي ‘يران في المقام الأوّل، على أساس مبدئي ثابت في السياسة الإيرانية، التي تعتبر أمريكا شيطانا أكبر، يمثل الحزبان الوحيدان بأمريكا، الحزب الجمهوري Republican Party، والحزب الديمقراطيDemocratic Party، واجهة السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، وهي في عمومها مهما كان المرشّح من كلي الحزبين، يبقى خاضعا لمبدأ سياسة صهيونية، متلبّسة بلباس مسيحية بروتستانتية الانجيلية، وقد تداول على البيت الأبيض من الحزبين المكورين، لكنّهم بقوا على مبدأ الدفاع على إسرائيل، وتقديم كل ما تحتاجه من دعم عسكري ومالي لا محدود.
وبدون مقدّمات فإن دونالد ترامب Donald Trumpفاز بهذه الدّورة بنسبة 51.1% ،مقابل 47.5% لكاملاّ هاريس Kamala Harris (2)، وهو فوز متوقّع نظرا للقوّة العميقة والمؤثرة التي يستند عليها ترامب في حملته الانتخابية فضلا على قوّته المالية، التي غالبا ما تفرزُ المتفوّق في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد جاء هذا الفوز ليعيد الحكم في مرتبتيه الرئاسية والبرلمانية إلى الحزب الجمهوري، مما يعطي انطباعا أوّليا لسياسة أمريكية أكثر استفزازا وإثارة في العالم، منها عودة حلّاب أبقار دول الخليج الى سالف عادته التي كانت مخفيّة، ليظهرها بكل وقاحة في فترة رئاسته السابقة كاوبويا ( راعي بقر) لم يخجل ولا تردّد في وصف السعودية بوصف مشين، فقد جاء تبيانا لذلك ( التصريح الأقرب الذي يمكن أن يكون ملهما للنص الآنف المنشور باللغة العربية نشره باللغة الإنجليزية موقع "awdnews.com" الألماني في 2 سبتمبر 2015 وتناقلته عدة مواقع، وجاء فيه على لسان ترامب :"علينا حلب المملكة العربية السعودية السمينة قدر الإمكان، وحين يصبح المشايخ الأثرياء عديمي الفائدة، يتوجب علينا مغادرة الشرق الأوسط.(3)
فخلال استقباله لولي العهد السعودي محمد بن سلمان قال ترامب: السعودية بلد ثري جدّا، ونأمل أن
الولايات المتحدة بعضا من ثروتها من خلال شراء أفضل المعدات العسكرية في العالم وخلق وظائف جديدة" (4) وبعدها قام مع أسرته بزيارة رسمية إلى السعودية ومنها بدأ حلب البقرة، فقد عُدّت قيمة الصفقات التي أبرمها خلال زيارته ما يربو على 460 مليار دولار، كما كان معلنا من قبلُ.
- القمة السعودية الأميركية، وقّع الملك سلمان وترامب عدة اتفاقيات، تعاون عسكري ودفاعي وتجاري، بقيمة 460 مليار دولار، فيما قال وزير التجارة السعودي (ماجد القصبي)، إن بلاده منحت تراخيص للاستثمار بالمملكة لـ 23 من كبرى الشركات الأميركية، ترامب ارتكز في سياسته تجاه السعودية ودول الخليج، على الضغط والإبتزاز، فقواته العسكرية متمركزة في قواعد داخل المملكة، بعنوان وهميّ وهو حمايتها من ايران، ومن خلال ذلك يطالب بمقابل تلك الحماية الوهمية مبالغ مالية خيالية، ولم يتردّد من وصف المملكة ببقرة حلوب، متمكّن منها لحلبها، كلّما دعته الحاجة إلى ذلك.
وقالت مراسلة الجزيرة (وجد وقفي) إن السعودية والولايات المتحدة وقعتا اتفاقيات دفاعية، بقيمة 460 مليار دولار، منها 110 مليارات قيمة صفقات عسكرية سابقة، وستسلم بموجبها واشنطن أسلحة على الفور للجانب السعودي، بالإضافة إلى صفقات تعاون دفاعي بقيمة 350 مليارا على مدى عشر سنوات.(5) هذا دون الحديث عن الهدايا الذهبية والمجوهرات الغالية الثمن، التي قدمها الملك سلمان وابنه لترامب وأسرته خلال زيارته الماضية، والتي لا يمكن تحديد قيمتها المالية.
عودة ترمب إلى دفّة رئاسة البيت الأبيض هذه المرّة، ليست كالمرّة السابقة، وستكون أكثر حدّة وابتزازا، مع جميع دول الخليج، وفي مقدّمتهم المملكة السعودية، وقد يستعجل ترامب زيارته إلى المملكة بعد استلامه للحكم، استعراضا لعضلاته كقوّة عسكرية، مدّعية زعامة العالم زمن أفولها، وترميما – بما يعتقده – من تقصير لسلفه (دجو بايدن)، الذي اعتبره مخلّا بمصالح أمريكا ومعرضا لريادتها المزعومة على العالم إلى خطر التقوقع والسقوط.
الوضع في الشرق الأوسط، والصراع القائم بين فصائل المقاومة واسرائيل سيكون ملفّ ترامب المستعجل التدخل فيه إلى جانب حليفته، وصاحبة الفضل عليه في وصوله إلى البيت الأبيض، وعليه فإنّ توسّع رقعة المعارك، لتشمل تدخّلا أمريكا صريحا في المنطقة، يراه ترامب في تصوّره ضروريا، من أجل حسم المعركة لتثبيت إسرائيل نهائيا، فيما استعدّ محور المقاومة كما يجب الاستعداد لينجزوا وعدا اشتغلوا عليه خلال أكثر من ربع قرن، وقد بلغوا فيها اليوم مبلغ الرشد والقوّة، بما أهّلهم الوقوف بندّية وتفوّق على القوات الصهيونية في غزّة، رغم الحصار المطبق عليهم، والذي اشتركت فيه مصر من جهة الغرب، وهي صاحبة السبق في التطبيع مع إسرائيل.
حلاب البقرة فاز، وقد تحدّث عنها بوقاحة راعي البقر، ولن يتركها دون أن يتكرر منه الحلْب، ودون شفقة ولا رحمة، فمن أعطت ضرعها لمن لم يطعمها بشيء، سيجف يوما ذلك الضرع، وتُتْرك إلى مصير شعب مضطهد ضائع الحقوق، سيكون له دور في المستقبل لنوال حقوقه المستباحة ، اليوم ستفرح البقرة الحمقاء، وغدا سينضب حليبها ويجف ضرعها، وستترك لمن يذبحها، ومن عادة أمريكا أن تتخلى عن أعبائها التي تثقل كاهلها، وخاصة عملائها الذين ينتهي دورهم، كعميل كوبا وعميل ففيتنام وعميل إيران.
المراجع
1 – الحرب الأهلية الأمريكية
https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – الانتخابات الأمريكية 2024
https://arabic.cnn.com/world/article/2024/11/06/number-trump-votes-vs-harris-votes
3 – ترامب واسطورة البقرة الحلوب
https://arabic.rt.com/news/849225-
4 – ترامب يطارد السعودية حتى آخر هللة
https://www.dw.com/ar/-43110884
5 – ترامب بالسعودية .. 460 مليار دولار وثلاث قمم
https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2017/5/21/