الموضوع الجامع لوجوب صلاة الآيات: دراسة فقهيّة موجزة في ضوء روايات الخسوف والكسوف
محاضرة سماحة الشيخ الأستاذ جعفر الغنّام – مقرر الندوة: زاهر العبد الله
افتُتحت الندوة بذكر الله والصلاة على النبي وآله، ثم أوضح سماحة الشيخ أهمية وضع الهيكل قبل الدخول في أي نقاش نقدي؛ لأن وضوح البناء هو مفتاح الفهم الصحيح.
وأشار إلى أن الورقة العلمية تتوزع على أربعة محاور: نقد النص التوراتي، إعادة بناء النقد، انتقال التشويش إلى القرآن، ثم مناقشة “المحيط التاريخي” المزعوم للقرآن.
بدأ سماحته بالمدخل الفلسفي، مبينًا أن الفكر الغربي وصل إلى مرحلة الفلسفة المادية التي جرّدت الإنسان من البعد الغيبي، وحرّكت مركز المعرفة من الإله إلى الإنسان، ثم من الإنسان إلى “الشيء”.
هذا التحول جعل النبوّة تُفهم بوصفها ظاهرة بشرية نفسية أو اجتماعية أو عصبية، لا حقيقة غيبية.
ومع نزع القدسية عن النبوّة، أصبحت الكتب السماوية نصوصًا بشرية تخضع للتحليل اللغوي والتاريخي المعزول عن الوحي.
انتقل الشيخ بعد ذلك إلى بدايات نقد التوراة، موضحًا أنها نص متعدد الطبقات، كُتب على مراحل طويلة، وتعرض لتحريفات وترجمات عديدة، وأن الترجمة السبعينية شكّلت نقطة شبه ثابتة للنص.
مرّت التوراة بأربع مراحل: انتخاب الأسفار، التدوين (المقرا)، الضبط عبر الماسورة، ثم الشروح التلمودية التي تضمّنت انحرافات واسعة.
ورصد سماحته كيف ظهر النقد الاستشراقي للتوراة من خلال تناقضات داخلية، مثل اختلاف سلاسل الأنساب، وتعدد أسماء الإله، ووجود مصادر متعددة للنص.
ساهمت جهود سبينوزا، واستروك، وفيلهوزن، وغيرهم، في تكريس نظرية المصادر المتعددة، مما أدى إلى نقد نصي معقّد يعتمد على التفكيك الداخلي.
وبيّن الشيخ أن الحقل كان في بدايته مضطربًا، حتى جاء باحثون مثل زلمان شازار وجمعوا أوراقه ونسّقوه، لكن ظهور مخطوطات البحر الميت والآثار البابلية والمصرية أدخل الحقل في موجة جديدة من التشويش؛ إذ وُجدت مواد غير توراتية داخل النص.
النقطة المفصلية في الندوة كانت حين أوضح سماحته أن هذا الحقل المشوَّش أُعيد نقله كما هو إلى الدراسات القرآنية، دون اعتبار لاختلاف بنية القرآن ولا تاريخه.
ظهر ذلك بوضوح في مؤتمر نوتردام (2005) وكتابه “القرآن في محيطه التاريخي”، الذي حاول تطبيق نقد التوراة على القرآن حرفيًا.
تقوم فكرة “المحيط التاريخي للقرآن” على افتراض محيط مسيحي واسع في مكة، بهدف إيجاد مصدر بشري للنبي محمد ﷺ.
كما سعى بعض الباحثين إلى نسخ مشكلات التوراة في القرآن، فجعلوا القرآن يمر بمراحل جمع وانتخاب وضبط شبيهة بالتوراة، بل ذهبوا إلى الزعم بأن المصحف القياسي وُجد في مصر عام 1924 فقط!
ووصلت بعض النظريات إلى الادعاء بأن القرآن لم يُكتب إلا في بغداد في القرن الثاني الهجري.
يؤكد سماحته أن هذه الأسئلة ليست “أسئلة مستحقّة” للنص القرآني؛ لأن القرآن لا يحوي التناقضات الداخلية التي في التوراة، ولا يعاني من تعددية المصادر، بل يتميز بوحدة بنائية واضحة.
ثم انتقل إلى الدليل الأركيولوجي الذي يحسم الجدل لصالح القرآن:
• مصحف صنعاء (70–90هـ) يثبت وجود نص مكتوب قريب من عصر الرسالة.
• مصحف توبنجن (20–40هـ) يطابق المصحف المتداول اليوم، مما يدل على أن النص القرآني كان مستقرًا في القرن الأول الهجري بالكامل.
هذه الشواهد تُسقط نظريات التأخر والانتخاب والطبقات النصية المنقولة من التوراة.
وضرب سماحته مثالًا بانحياز المستشرق ماكدونالد الذي وصف آلاف النقوش العربية بأنها “مخربشات”، متجاهلًا قيمتها الدينية والتاريخية، مما يكشف خلفية غير حيادية.
واختتم الشيخ الندوة بتوصيتين محوريتين:
1. ضرورة إعادة بناء حقل “القرآنيات” بمنهج حديث يستوعب أسئلة الواقع.
2. تدريب العقل الإسلامي على قراءة النقد وتصنيفه، وعدم الانخداع بالدراسات التي تلبس لباسًا لغويًا أو تاريخيًا دون منهج صارم.
بقلم: زاهر العبد الله – مقرر الندوة






