لعله عنوان غريب أو حساس، لموضوع شائك يدور الحديث عنه بقوة علانية تارة، وسرية تارة أخرى، وبين أروقة الأوساط المحلية تارة، والإسلامية والعالمية تارة أخرى، على كل حال يبقى الشيعة مصدر قلق شديد للقوى الإقليمية والعالمية، بل خطورة كبيرة للاستراتيجيات التي يُراد تنفيذها.
لقد أثبت الواقع ذلك بأجلى صوره في البلدان التي يتواجد بها الشيعة كحكومات وأنظمة، أو شعوب أكثرية كانت أم أقلية؛ بسبب المبدأ والعقيدة أو الآيدلوجية التي تؤمن بها، وهي عدم الخضوع للمستعمر ومخططاته وإنْ كانت واقع حال مفروض مفروغ منه، وللحكام الموالين للاستعمار، وهناك أمثلة وشواهد في التاريخ الحديث والمعاصر تؤكد ذلك من دون أي ريبة وتردد، فلقد كان للعراقيين الشيعة من العلماء والعوام موقف متشدد تجاه الاستعمار البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الأولى ودخولهم بعداد عام ١٩١٧م وسقوط الدولة العثمانية، وخروجهم لجهاد الإنكليز بعقيدتهم المتقدمة، وسلاحهم الشخصي البسيط الذي استطاع أنْ يقهر جبروت الإمبراطورية البريطانية في جبهات متعددة، بل لم يهدأ للشيعة بال وهم ينظرون إلى أولئك المحتلين يتجوَّلون في مدنهم المقدسة وغيرها، ويتحكَّمون في البلاد ويتنعمون بسرقة خيراته، حتى كانت تلك الثورة البركانية العظيمة ضد الاحتلال عام ١٩٢٠م التي أسقطت أقنعة البريطانيين التي يختفون خلفها، وقاومت جيشهم العالمي الأسطوري في وسط العراق وجنوبه بسلاح العقيدة الإيمانية، وما يملكون من أسلحة شخصية بسيطة ومحدودة، بل معدودة، حيث أجبرت البريطانيين على الرضوخ لمطالب المجاهدين الشيعة على رغم قضائها على الثورة بوحشيتها، وأسلحتها الفتاكة جوًّا ويرًّا وبحرًا، وجيشهم الكبير النظامي، ولكنهم تراجعوا في تبديل سياستهم تحت نيران أسلحة المجاهدين، فكانت النواة الأولى لتأسيس الدولة العراقية؛ حيث أنَّ القوة المتغطرسة يجب أنْ تواجه بالقوة، والاستعداد التام الشخصي والنوعي لتلك المواجهة إنْ تطلَّب الأمر، وإلا فالذل والهوان الحتميان اللذان ينتظرهما، بل وتحقيق إرادة الاستكبار العالمي الذي يؤمن بنظرية أنَّ (الشعوب العربية ليست بشعوب بشرية)، يعني ذلك أنه لا تنطبق عليها شعاراتهم الزائفة التي يتشدَّقون بها في المحافل العالمية بما يُدْعى ب(حقوق الإنسان)، وصور استعمارهم للبلدان العربية وما فعلوه تندى له جبين حقوق الإنسان حقيقة، فكانت هناك محاولات ومحاولات سياسية ماكرة من الاستعمار بتجريد الشعب من سلاحه، ونفي قادته، وتهديد علمائه بذرائع مختلفة، واستطاع ذلك بمكره ووعوده وإغراءاته، ولكنه كان غافلًا أو راضخًا إلى أنَّ سلاح العقيدة لا يمكن تجريده، بل يمكن تحييده لحينٍ .
إجرام حزب البعث
وقد حاول الحكام القيام بذلك بوسائل شتى، فقام حزب البعث منذ توليه للسلطة عام ١٩٦٨م بأنواع القتل والتنكيل والتشريد والتضييق على الشيعة، بل ومحاربة الحوزة العلمية وإعدام الأساتذة والطلبة والمؤمنين، ومنع الشعائر والمجالس ومراقبة المساجد والعتبات المقدسة واعتقال الشباب المؤمنين؛ لتكون بيده قبضة السلطة بالنار والحديد على مدى ٢٣ عامًا تقريبًا حيث ضعف لأول مرة كيانه واهتزَّ نظامه بعد حرب الخليج وغزوه للكويت عام ١٩٩١م وقيام الانتفاضة الشعبانية الكبيرة، واغتنام الشيعة للسلاح الذي كان عند جيشه الفاشي الذي خرج من الكويت مهزومًا من تلك الحرب المدمرة.
فكان لذلك السلاح دور كبير في الوقوف بوجه النظام في جميع محافظات العراق الجنوبية التي يسكنها الشيعة المضطهدون، فاستطاعوا بذلك السلاح المقاومة عند الهجوم الوحشي للجيش على تلك المحافظات بمؤامرة أقليمية وعالمية للقضاء على الانتفاضة الشيعية، التي أصبحت تمتلك سلاحًا تدافع به عن محافظاتها وأهلها بعد أنْ كانت لعقود لا تملك قطعة صغيرة منه، بل الويل كله لمن يفكر بذلك، فانتقم النظام البعثي من تلك المحافظات التي كانت تبحث عن الحرية الإنسانية والعقدية الدينية لها، والتي كان خيرة بعض شبابها في السجون أمواتًا، وبعضها دُفِنت تحت الأرض أحياء، وأخرى مهجَّرة في بلدان العالم، فكانت تلك الوحشية بالقضاء على الانتفاضة وخصوصًا في المدن المقدسة بالنجف وكربلاء، حيث القتل والإعدام والهدم والحرق وو.
وبعد ذلك محاولات تجريد الشيعة من سلاحها بأي طريقة، حيث دخلت قوات البعث بالتفتيش الدقيق عن السلاح بوحشية، واعتقال أصحابه، ومصادرة كميات كبيرة منه، فغَدَا الرجل لا يدري كيف يتخلص منه لإجرامهم وتكالبهم على الذين يوجد عندهم، ثم بدأ الترغيب الكاذب والترهيب الوعد والوعيد؛ ليبقى الشيعة بلا سلاح داخلي يدافعون به عن أنفسهم، ولا سلاح إقليمي يدافع عن هذه الفئة التي تمثل أكثرية شعبها، وهي صاحبة تأسيسه وأمجاده، ولا سلاح عالمي يدافع عنهم، سوى رجال المعارضة الشرفاء خارج العراق الذين كانوا يقيمون المؤتمرات والندوات التي تبيِّن للعالم هتك حقوق الإنسان في العراق، لعلهم يستطيعوا إيصال صوت هذا الشعب إلى منظمات حقوقية وغيرها تصدِّق ذلك؛ حيث الإعلام العالمي الداعم لنظام البعث، فعاد الشيعة بلا سلاح بعد حصولهم عليه لأيام معدودات، وإنما بقي سلاح العقيدة يتوارثونه في نفوسهم برفض حكم أولئك المستبدِّين المجرمين الذين أهلكوا الحرث والنسل، ولا بد من استرداد الحق منهم في يوم من الأيام وتعم الحرية على النفوس والمقدسات والشعائر، ولكنها غدت تخاف بطش البعث، ورجاله، وعيونه التي كانت تتواجد في كل مكان.
الارهاب التكفيرية
وبعد ذلك السقوط المشين للبعث والانتقالة الجديدة للعراقيين في وطنهم، حيث تعدد القوميات والطوائف، وما كان للشيعة من دور جديد نسبيًّا في إدارة الدولة كونهم هم الأغلبية في العراق، وحاولوا إعادة جزء من حقوقهم بالآليات القانونية العالمية المعهودة مثل الانتخابات، ووقوف سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني "دام ظله" بوجه المخططات الأمريكية المحتلة خاصة، والغربية والإقليمية عامة، وسد الثغرات التي يحاول العدو أنْ يتَّخذها سبيلًا للتدخل في شؤون العراق، فكانت ملحمة الانتخابات وكتابة الدستور ..
ولمَّا كان هذا الوضع الجديد لحكم الشيعة النسبي في العراق لا يروق للتكفيريين الطائفيين الذين يريدون أنْ يبقى الشيعة أسرى بل عبيد لغيرهم، كانت تلك الهجمات الإرهابية المختلفة لقتل الشيعة بالتفجيرات والسيارات المفخخة والعبوات القادمة من دول الجوار الناقمة على الواقع، فكان المؤمنون ضحية تفجيرات المراقد المقدسة، والحسينيات والمساجد، والمواكب والمؤسسات وغيرها، حتى كان يوم الإرهاب الأكبر والأعظم عند سيطرة كيان داعش على الموصل وما بعده من محافظات في حزيران ٢٠١٤م، وهم مدعومون بالسلاح المعنوي للطائفية المسموم الذي تغذِّيه جماعات إقليمية ومحلية، وبالسلاح المادي المتطور الذي تغذِّيه الصهيو@نية العالمية والداعمين لمخططاتها، حيث انهار جيش الدولة، وهرب أمام تلك الهجمات الهمجية، وهم يتوعَّدون الشيعة ومراقدهم المقدسة بالويل والثبور، فضلًا عن سلاح الإعلام الفتَّاك ..
فلم يكن لهم سلاح للوقوف أمام ذلك الإرهاب العالمي والإقليمي إلا لطف الله تعالى بالمرجعية الدينية، حيث أفتا سماحة السيد السيستاني بالدفاع الكفائي ضد ذاك الكيان الإرهابي، فاجتمع المؤمنون الشيعة من محافظاتهم للدفاع عن العراق ومقدساته، وكرامة نسائه وشيوخه، بتلك الأعداد الكبيرة لخيرة شباب الشيعة من طلبة العلوم الدينية وغيرهم، يتسارعون إلى المعسكرات والمقرَّات والجبهات، لا يحملون سوى عقيدة تلبية نداء الله نحو الجهاد، ويتسارعون نحو المنية في سبيل ذلك ..
ولكن أقول
هل كان للشيعة سلاح يدافعون به أولئك الإرهابيين!!
و هل كانت لهم قوات منتظمة يلجؤون إليها لصد ذلك الإرهاب!!
فالجواب لا ..
إذ كان الواقع العسكري آنذاك .. لا سلاح لهم يدافعون عن مقدساتهم، ويدفعون الإرهاب عن أهاليهم وأوطانهم سوى سلاح العقيدة!!
لأنَّ الشيعة لا بد أنْ لا يكون لهم سلاح أبدً!!
الفتوى المباركة
تسابق المؤمنون تلبية للنداء، وخصوصًا الشباب منهم تجاه المعسكرات والمقرات الحزبية وفي العتبات المقدسة وأماكن متعددة لنيل شرف الدفاع عن المقدسات، فأتوا أفواجًا فأفواجًا بملابسهم الاعتيادية البسيطة يتسابقون ويتنافسون، ولا يملك أغلبهم أي سلاح بسيط، بل لا يملك بعضهم نقودًا، فكانت تلك الملحمة الكبرى لتنظيم أمرهم، وتدريبهم على السلاح، وتهيئة الطعام والشراب لتلك الأعداد الكبيرة، ونقلهم إلى مواقع القتال، وغير ذلك من أمور متعددة، والحكومة غير مؤهَّلة لذلك تمامًا وجيشها النظامي منكسر مهزوم، والمؤامرات الدولية والإقليمية والخيانات المحلية قائمة على قدم وساق.
فكانت تلك الوقفة العظيمة من الأخيار والأغيار في الدعم المادي الكبير والتبرعات من جهات متعددة ومنها العتبات المقدسة لأولئك المجاهدين وما يحتاجون إليه من مواد غذائية وملابس مختلفة، وسكن ونقل وو، وأما المهم من ذلك كيفية تهيئة السلاح الذي يواجهون به العدو، حيث بدأ التنسيق مع الحكومة من جهة على انهيار قواها، ومع المتبرعين بالسلاح من جهة ثانية، ومع الداعمين ثالثة، والشراء رابعة، وغنائم الحرب خامسة، فكان الدعم الكبير للجمهورية الإسلامية في إيران واضحًا حيث الدعم العسكري والسياسي واللوجستي وغيره، فتوجه المجاهدون الأشراف من الشيعة من محافظات الجنوب وبغداد نحو الجبهات ليدفعوا بدمائهم خطر الكيان الإرهابي عن شيوخ وأطفال ونساء محافظات صلاح الدين والموصل الكبيرتين وغيرهما، وقد رأيناهم بحالة تعجز الكلمات عن وصفها، وتكفي وصفها تلك الأعداد من الشهداء الأشراف الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وبدأت فصائل المقاومة تتلاحم فيما بينها ضد هذا العدو المشترك، وتشكلت قوات تابعة للعتبات المقدسة، وشاركت المرجعية الدينية بأساتذتها وطلبتها بملابسهم الدينية في جبهات القتال، فضلًا عن الدعم المعنوي والإنساني، فكانت تلك الانتصارات الكبيرة للمجاهدين، وكسر شوكة المؤامرة العالمية والإقليمية لداعش وأسياده وأعوانه، حتى تم تحرير جميع الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش في وقت قصير عسكريًّا، وتمت إعادة الأهالي إلى بيوتهم آمنين، والحشد الشعبي الشيعي يفخر بتلك البطولات، وبيده سلاحه المادي يدافع عن الوطن ومقدساته، وبين جنبيه سلاحه المعنوي الذي ورثه من مدرسة سيد الشهداء الإمام الحسين "عليه السلام" (هيهات منا الذلة).
ولكن أقول:
كيف كانت تنظر أمريكا إلى هذه القوة العظيمة للمرجعية الدينية التي استطاعت بكلمات معدودات، جمع آلاف وآلاف من الشباب للدفاع عن الوطن والمقدسات!!
و كيف كانت تنظر أمريكا وأعوانها من الدول الإقليمية إلى هذه القوة العقائدية الجديدة التي استطاعت أنْ تثبت وجودها كمدافع أساس عن العراق لا يمكن قهره أو كسره بسهولة وهو يرمي بنفسه نحو الموت!!
و كيف كان ينظر الطائفيون الحاقدون إلى قوة الحشد ووجوده في مدنهم التي حررها لهم، وهم الذين مهَّدوا لدخول داعش الإرهابي إلى محافظاتهم، وأعلنوا لهم البيعة والطاعة والولاء!!
فلا بد بعد هذه النظرات أنْ تبدأ المؤامرات تجاه الوضع العظيم الجديد مهما كان ثمن ذلك ..
لأنَّ الشيعة لا بد أنْ لا يكون لهم سلاح أبدً!!
وللحديث تتمة