البحث المتقدم

البحث المتقدم

٢٦ جمادى الأولى ١٤٤٧

مفهوم ارجع البصر في التفاسير القرآنية

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ" (الملك 3) ما حرف نفي، ترى فعل، في حرف جر، خلق اسم، الرَّحْمَٰنِ: ال اداة تعريف، رَّحْمَنِ اسم، من حرف جر، تفاوت اسم، فَارْجِعِ: فَ حرف سببية، ارْجِعِ فعل، الْبَصَرَ: الْ اداة تعريف، بَصَرَ اسم. ثم عاد سبحانه إلى وصف نفسه فقال "الذي خلق سبع سماوات" أي أنشأهن واخترعهن "طباقا" واحدة فوق الأخرى وقيل أراد بالمطابقة المشابهة أي يشبه بعضها بعضا في الإتقان والأحكام والاتساق والانتظام "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" أي اختلاف وتناقض من طريق الحكمة بل ترى أفعاله كلها سواء في الحكمة وإن كانت متفاوتة في الصور والهيئات يعني في خلق الأشياء على العموم وفي هذا دلالة على أن الكفر والمعاصي لا يكون من خلق الله تعالى لكثرة التفاوت في ذلك وقيل معناه ما ترى يا ابن آدم في خلق السماوات من عيب واعوجاج بل هي مستقيمة مستوية كلها مع عظمها. "فارجع البصر" (الملك 3) أي فرد البصر وأدره في خلق الله واستقص في النظر مرة بعد أخرى والتقدير أنظر ثم ارجع النظر في السماء "هل ترى من فطور" أي شقوق وفتوق عن سفيان وقيل من وهن وخلل عن ابن عباس وقتادة.

 

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ" (الملك 3) قوله تعالى: "الذي خلق سبع سماوات طباقا" إلخ، أي مطابقة بعضها فوق بعض أو بعضها يشبه البعض - على ما احتمل - وقد مر في تفسير حم السجدة بعض ما يمكننا من القول فيها. وقوله: "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" قال الراغب: الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه، قال تعالى: "وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار". قال: والتفاوت الاختلاف في الأوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر أو وصف كل واحد منهما الآخر، قال تعالى: "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" أي ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة. فالمراد بنفي التفاوت اتصال التدبير وارتباط الأشياء بعضها ببعض من حيث الغايات والمنافع المترتبة على تفاعل بعضها في بعض، فاصطكاك الأسباب المختلفة في الخلقة وتنازعها كتشاجر كفتي الميزان وتصارعهما بالثقل والخفة والارتفاع والانخفاض فإنهما في عين أنهما تختلفان تنفقان في إعانة من بيده الميزان فيما يريده من تشخيص وزن السلعة الموزونة. فقد رتب الله أجزاء الخلقة بحيث تؤدي إلى مقاصدها من غير أن يفوت بعضها غرض بعض أو يفوت من بعضها الوصف اللازم فيه لحصول الغاية المطلوبة. والخطاب في "ما ترى" خطاب عام لكل من يمكنه الرؤية وفي إضافة الخلق إلى الرحمن إشارة إلى أن الغاية منه هي الرحمة العامة، وتنكير "تفاوت" وهو في سياق النفي وإدخال "من" عليه لإفادة العموم. وقوله: "فارجع البصر هل ترى من فطور" الفطور الاختلال والوهي، "فارجع البصر" (الملك 3) والمراد بإرجاع البصر النظر ثانيا وهو كناية عن المداقة في النظر والإمعان فيه.

 

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ" (الملك 3) وذكر السماوات السبع لا يفيد الحصر. انظر آخر سورة الطلاق فقرة "سبع سماوات ومن الأرض مثلهن". وطباقا أي يطابق بعضها بعضا في دقة الصنع، والمعنى حقّق وتفحص وتأمل جيدا، "فارجع البصر" (الملك 3) وعاود النظر مرات ومرات في خلق الكائنات فإنك لا ترى ولن ترى إلا الحكمة والدقة والا النظام والانسجام والتناسب والتناسق في كل شيء. أبدا لا تفاوت في إتقان الصنع، ولا خلل ولا نقص في شيء من أصغر صغير إلى أكبر كبير. سل العقول مجتمعة: من الذي أعطى كل شيء خلقه فقدره تقديرا؟. هل الصدفة أتت بكل هذه الأسرار والعجائب؟ وهل هي قاعدة تطرد في كل شيء ومبدأ لا ينقضه شيء؟ ومتى بهرت الصدفة الألباب وحيرت؟ ولا جواب عند العقول العليمة السليمة إلا بالرجوع إلى قوة تكمن وراء الطبيعة والاعتراف بالعجز عن إدراك حقيقتها وكنه عظمتها. وهنا يكمن السر لتاريخ الايمان باللَّه الذي وجد بوجود الإنسان بل بوجود كل كائن يحس ويشعر، ونحن على علم اليقين بأن الجاحد لو فكر وتدبر خلق السماوات والأرض لآمن باللَّه من حيث يريد أولا يريد. قال (لورد كيلفن) أحد علماء الطبيعة البارزين: (إذا فكرت تفكيرا عميقا فإن العلوم سوف تضطرك إلى الاعتقاد بوجود اللَّه. وهذا ما أعلنه القرآن بقوله: "إِنَّما يَخْشَى اللَّهً مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ" (فاطر 28).

مواضيع ذات صلة