البحث المتقدم

البحث المتقدم

١١ ذو القعدة ١٤٤٦

أصل وزن الشعر

يُرجَّح أن أصول الأوزان الشعرية تعود إلى توقيع سير الجمال في الصحراء، حيث إن تقطيعها يتوافق مع وقع خُطاها، ويؤيد هذا الرأي أن الرَّجز كان أول الأوزان المستخدمة في سوق الجمال، وهو ما يُعرف بالحداء في اصطلاح العرب، ويبدو أن هذا الوزن وُضع خصيصًا لهذا الغرض، إذ إن العربي يقضي معظم أوقاته برفقة جمله أو ناقته.

للرَّجز نوعان رئيسيان: المشطور والمنهوك. والمشطور يتخذ الوزن التالي:

 

دعِ المطايا تنسَمِ الجنوبَا ** إنَّ لها لنبأً عجيبَا

حنينها وما اشتكت لغوبَا ** يشهدان قد فارقتُ حبيبَا

ما حملت إلا فتى كئيبَا ** سُرَّ ممَّا أعلنت نصيبَا

لو ترك الشوق لنا قلوبَا ** إذًا لآثرنا بهنَّ النيبا

 

ويتوافق إيقاع هذا الوزن مع مشي الجمال الهوينا، ولو ركب أحدهم ناقة تسير على مهل، لوجد أن وقع خُطاها يشبه تمامًا إيقاع هذا الوزن الشعري، لذلك، كان العرب يحدون بهذا النوع من الرجز عند الرغبة في سير الجمال ببطء.

وفي كثير من الأحيان، كان الشاعر يستذكر محبوبته أثناء السفر، فيحدو الجمال بأبيات غزلية كما فعل جميل بثينة أثناء سفره إلى الحج مع مروان بن الحكم، حيث طلب منه الأخير أن يحدو الجمال، فقال جميل:

 

يا بثنَ حيِّي أو عَدِّينِي أو صِلِي ** وهَوِّني الأمرَ فَزُوري وأَعْجَلِي

بثينَ أَيًّا ما أردتِ فافعلي ** إنِّي لآتٍ ما أشأتِ مُعْتَلِي

 

لكن مروان لم يكن يرضى بالغزل في الحداء، إذ اعتاد الخلفاء والأمراء أن يطلبوا من الحادي أن يُنشد الرجز في مدحهم، ومثال ذلك أن الخليفة عبد الملك بن مروان خرج يومًا على نجيب، وكان معه حادٍ يحدو قائلاً:

 

عليك سهل الأرض في ممشاكَا ** يا أيها البكر الذي أراكَا

ويحك هل تعلم من علاكَا ** إنَّ ابن مروان علا ذكراكَا

خليفة الله الذي امتطاكَا ** لم يعلُ بكرٌ مثل ما علاكَا

 

أما إذا أراد الحادي أن تسرع الجمال، فإنه كان يستخدم الرجز المنهوك، وهو ذو إيقاع أكثر سرعة، ووزنه:

 

أعطيتُه ما سألا ** حكمتُه لو عدَلا

قلبي به في شغل ** لا ملَّ ذاك الشغلا

قيَّده الحبُّ كما ** قيد راعٍ جَميلا

 

ويشبه هذا الإيقاع "الخبب" في الشعر، حيث يتناسب مع ركض الفرس، ومثال على وزنه:

 

أبكيتَ على طللٍ طَرِبَا ** فشجَاكَ وأحزنكَ الطَّللُ

 

أوزان الشعر

وضع العرب الأوزان والبحور الشعرية وفقًا لمتطلبات التعبير في مختلف الأحوال والمقامات، فبعض البحور تناسب الشعر الحماسي، بينما تناسب أخرى الرثاء أو الغزل، فمثلاً:

 

- البحر الطويل يناسب الشعر الحماسي.

- البحر الوافر يلائم الفخر.

- البحر الرمل يعبر عن مشاعر الحزن والفرح معًا.

- البحر السريع يناسب التعبير عن العواطف الجياشة.

 

ويُعد الرجز أقدم البحور العربية، حيث كان الشعراء ينظمون منه أبياتًا قليلة عند الحرب أو التفاخر، ثم بدأوا في إطالة نظمه، ويُقال إن أول من أطال فيه هو الأغلب العجلي في عهد النبي، ثم جاء بعده رؤبة بن العجاج، فطُوّرت أوزان الرجز وتفرعت، حتى أصبح الشعراء ينظمون الأراجيز الطوال، والتي يزيد عدد أبياتها على عشرة.

أما بقية أبحر الشعر، فقد كانت تُستخدم في البداية في المقاطع القصيرة حسب الحاجة، ولم تُستخدم في القصائد الطويلة إلا بعد أن شهدت الجزيرة العربية حروبًا بعد استقلالها عن اليمن، وظهر فيها الأبطال والفرسان، فاحتاجوا إلى الشعر ليُخلِّد بطولاتهم، حينها بدأوا في تطويل القصائد، وكان أول من أطالها هو المهلهل أخو كليب، حيث نظم قصيدة طويلة في رثاء أخيه، وتعتبر أول قصيدة عربية بلغت ثلاثين بيتًا.

ومنذ ذلك الحين، أصبح الشعر العربي وسيلة أساسية للتعبير عن المشاعر والمواقف، واستمر تطوره عبر العصور، حتى أصبح جزءًا جوهريًا من الثقافة والأدب العربي.

 

مواضيع ذات صلة