في مطلع عام 1919، واجه البريطانيون تحديات كبيرة في مساعيهم لإجراء استفتاء يهدف إلى تبرير وجودهم في العراق. وكان استفتاء الكاظمية يمثل إحدى المحطات المهمة في هذا السياق، حيث تأثرت المدينة بعوامل عدة، أبرزها ارتباطها الوثيق بالمراكز الدينية في النجف وكربلاء، وكذلك قربها من بغداد، التي كانت تشهد نشاطاً وطنياً مكثفاً في تلك الفترة.
في 8 كانون الثاني 1919، عُقد اجتماع في دار آغا حسن النواب بالكاظمية بحضور عدد من العلماء والوجهاء والأشراف. وكان الشيخ مهدي الخالصي من بين الحاضرين، إلى جانب السيد محمد مهدي، نجل السيد إسماعيل الصدر. حضر الاجتماع أيضاً الحاكم العسكري البريطاني في بغداد، بلفور، الذي حاول التأكيد على أن العراقيين يرغبون في بقاء البريطانيين حكاماً لبلادهم.
ردّ الشيخ الخالصي بعبارة حاسمة على هذا الادعاء، حيث قال للسيد محمد مهدي: "قل لبلفور إذا كان الأمر كما تقول، فكفّ عن منع مخابراتنا مع العراقيين لنرى رأيهم." وكان هذا الرد بمثابة كشف لخداع البريطانيين، الذين كانوا يمنعون المراسلات البرقية والمكاتبات بهدف حجب الحقيقة عن العراقيين.
شهد الاجتماع توتراً متزايداً عندما صرّح الحاضرون علناً برفضهم للاحتلال البريطاني ودعوتهم لتأسيس حكومة وطنية مستقلة. خرج بلفور من المجلس غاضباً، ما عكس فشله في كسب تأييد الكاظمية.
كان الشعور العدائي تجاه البريطانيين قوياً في الكاظمية، حيث لعب العلماء دوراً محورياً في توجيه الرأي العام. وهددوا كل من يصوت لصالح الاحتلال البريطاني بالطرد من الجوامع والمروق عن الدين.
على الرغم من محاولات البريطانيين التأثير على نتائج الاستفتاء من خلال الضغوط والإكراه، أظهرت الإجابات التي تم جمعها من مختلف المناطق، بما فيها الكاظمية والنجف والشامية، رفضاً شعبياً واسعاً للوصاية الأجنبية.
كان العلماء والفقهاء العراقيون يتمسكون بموقفهم الثابت المستند إلى بُعدين: الأول ديني فقهي، يوجب طاعة أولي الأمر من المسلمين فقط، ورفض سلطة الكفار. والثاني سياسي، التزام بوعد بريطانيا وفرنسا بإنشاء حكومات وطنية عقب انسحاب العثمانيين.
أكدت أحداث استفتاء الكاظمية قوة التلاحم بين العلماء والشعب في رفض الاحتلال البريطاني، وأظهرت الإرادة الشعبية في إقامة نظام ملكي دستوري يُدار ببرلمان منتخب. وعلى الرغم من محاولات التلاعب، باءت مساعي البريطانيين بالفشل، مما ساهم في تشكيل موقف وطني موحد ضد الهيمنة الأجنبية.