الانتصارات المتتالية تثبت قدرة القوات العراقية بكل صنوفها على طرد الإرهاب
وإلى جانب ما تضمنته رسالة عميد كلية الفقه، ورئيس جمعة منتدى النشر الشيخ محمد رضا المظفر من مشاعر الارتياح، فأنها حملت إشارة تحذيرية إلى ساسة الحكم الجديد، إذ تكّرها المظفر بالصراع الذي خاضه علماء الدين ضد النظام الملكيّ، والعسف والاضطهاد الذي لقوه من جراء نضالهم السياسي المتحرر ضد حكوماته المتعاقبة، ومما ورد في نصها: "وُلد العهد البائد فاسداً فقاطعه العلماء وحرموا انتخاباته، ووظائفه، وإنما تأسس بثورتهم المقدسة ضد المستعمرين فأبعد كبارهم، وناجز صغارهم، وفسّر تحريمهم بتفسيرات محرضة، فانطووا على أنفسهم مقهورين، وقد آن التصريح الحقيقة بوثبتكم المجيدة، التي صنعت المستحيل، فأحيت الأمل وشحذت الهمم" ورجا المظفر أن تسير دفة هذه الجمهورية الفتية "على أساس المبادئ الإسلامية من الإيمان والعدل والأخوة...".
ومن جهةٍ أخرى وضعت السلطة الثورة الجديدة في حساباتها إرضاء المرجعية الدينية وكسب ودّها، والتلويح لها بأنها تراعي الأحكام الشرعية، وتسير وفق ما تمليه عليها الشريعة الإسلامية.
ففي 24 تموز أوفدت الحكومة متصرف كربلاء اللواء فؤاد عارف (1913 – 2010) إلى النجف الأشرف والتقى بعلماء المرجعية عارضاً عليهم نوايا الثورة، ثم سافر إلى بغداد، وسلم الزعيم عبد الكريم قاسم رسائل تأييد موجهة من العلماء فقامت لجنة متخصصة بترجمتها، وأًذيعت من بغداد باللغتين العربية والإنجليزية، ونًشرت في الصحف العراقية ليتأكد المجتمع الدولي من التأييد الشعبي الذي تحظى به الثورة.
ومن الجديد بالذكر أن الأوضاع الدولية كانت متوترة في الأيام الأولى للثورة، فقد بعثت الدول الكبرى رسائل تهديد للقائمين عليها عن طريق إنزال قوات المارينز التابعين للأسطول السادس الأمريكي على سواحل لبنان، وأعلنت بريطانيا عن تحركات مريبة لحمية حلفائها في منطقة الشرق الأوسط لا سيما الكويت، وكانت الدولتان تعوّلان على عدم حصول الضباط الأحرار على المساندة الشعبية اللازمة كي يقوما بفعلتهما بالقضاء على ثورة تموز، لكن، وحينما حملت البشائر رسائل المباركة من المرجعية الدينية، تنفس قاسم الصعداء وقام بتقبيل فؤاد عارف، موضحاً له سروره ومقدار الفائدة العظيمة للرسائل بوصفها صمام أمن للخلاص من الإحراج الذي حاولت تلك الدول أن توقعه فيه، ووسيلةً لإيقاف التصعيد العسكري ضده.
وقد أجاب عبد الكريم قاسم على تلك الرسائل، برسائل مماثلة بعثها إلى علماء الدين، معرباً لهم فيها عن سروره البالغ بسلمه رسائلهم، وانه سيعمل على "حماية شعائر الإسلام وإقامة موازين العدل"، و"حماية بيضة الدين"، و"القضاء على الظلم والظالمين" حسب وصفه، ذاكراً في الوقت نفسه أنّه يستمد العون لأداء كل ذلك من "عناية الله ومؤازرة الامة وبركات أئمة الدين".
وفي هذا السياق، تبرعت حكومة الثورة بثلاثة آلاف دينار (وهو مبلغ ضخم آنذاك) إلى مدرسة النجف الدينية التي يشرف عليها الشيخ عز الدين ابن الشيخ محمد جواد الجزائري الذي رفض المال، فقررت – الحكومة – إعطاء هذا المبلغ للمدارس الحوزية الأخرى، ولكن العلماء رفضوا أيضاً ذلك العطاء المقرون بالطاعة، وهو ما أوحى بضرورة التعامل مع هذه الثورة بحذر، ومراقبة ما ستؤول إليه أحداثها من تحقيق الصلاح والعمران.
ويبدو أن ذلك التحفظ من قبض الأموال الحكومية يستند إلى تاريخ عريق من التقاليد الحوزية الرصينة التي تحرص على استقلالية الحوزة والمرجعية عن أي تأثيرات سلطوية (اقتصادية كانت أم سياسية) وما يتبعها من تأثيرات فكرية.
المصدر : موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 2 ص 200