السفير الألماني في العراق يشيد بخدمات العتبة العباسية المقدسة المقدمة للزائرين
قدّم سماحة العلّامة السيد أحمد الصافي مداخلة في الندوة العلمية الخاصة بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني والتي أقيمت في العتبة العباسية المقدسة.
واستعرض أستاذ البحث الخارج في حوزة مشهد المقدسة الشيخ محمد حسن الرباني البير جندي بحثه الموسوم (المنهج العلمي لآية الله العظمى السيد الميلاني "قدّس سرّه")، فيما استعرض أستاذ البحث الخارج في حوزة النجف الأشرف، الشيخ نزار آل سنبل بحثه الموسوم بـ (نظرية الحق عند آية الله العظمى السيد الميلاني "قدّس سرّه").
وعقّب سماحته بعد الاستماع للبحثين حول جملة «إنّ الفقهاء ينسون ما أسسوه في الأصول عندما يأتون إلى الفقه»، مبيّنًا أنّها تعبير أدبي لا يعكس واقع الممارسة العلمية الدقيقة للفقهاء، ففي الفقهاء المتأخرين مثلًا، الذين تراكمت لديهم خبرات معمّقة عَبرَ تدريسهم لدورات أصولية عدّة، سنرى انطباع عموم المسائل الأصولية في أذهانهم لذا فهي بعيدة بهذا المعنى عن النسيان.
وأكّد السيد الصافي أنّ التراجع عن بعض المباني الأصولية في التطبيقات الفقهية لا يعود إلى نسيانهم لتلك المباني، بل إلى ظهور قرائن خاصّة في خصوص رواية ما في موضوعات الأحكام قد تغيّر رأيه بما يتناسب وما وصل إليه علمه والدليل، مشيرًا إلى أنّ هذا الأمر لا يختصّ بالأصول فقط، بل يظهر أيضًا في علم الرجال.
وبيّن أنّ من أمثلته ما نراه عند السيد الخوئي -قدّس سره-، إذ يذكر توثيقًا أو تقييمًا رجاليًّا في معجم الرجال، ثم يختار في التطبيق الفقهي ما يخالف ذلك، نتيجة معطيات خاصة بعلم الفقه نفسه، تلك التي تقتضي المخالفة.
وأوضح سماحته أنّ «التخريج العلمي» الصحيح لهذه الظاهرة يقوم على فهم أمور كثيرة تغطّي كل حيثيات الأمر، لا على افتراض وجود خلل أو غفلة من الفقيه، مؤكّدًا أنّ هذا الجانب يحتاج إلى دقة أكثر من العبارة المتداولة القائلة بأنّ الفقهاء «ينسون» ما أسّسوه. وفي المحور الثاني، تطرّق السيد الصافي إلى ما دوّنه الشهيد الثاني -قدّس سره- حول الشهرة، مبيّنًا أنّ الشهيد لم يكن بصدد مناقشة كبر الشهرة، بل صغرها.
والشهيد الثاني لا ينكر كبر الشهرة، بل كان يلفت النظر إلى أنّ (الشهرة)، هي غالبًا التي تتكوّن قبل الشيخ الطوسي -قدس سره-، أمّا ما بعده فهذه أغلبها ليست شهرة، وإنما كلام الشيخ نفسه .
وأوضح سماحته أنّ مرحلة ما بعد الشيخ الطوسي شهدت هيمنةً لآرائه في الوسط العلمي، ما جعل كثيرًا من العلماء ـ في ذلك الزمن ـ لا يجترئون على مخالفة رأيه، فيُظَنّ لاحقًا أنّ هناك شهرة على المسألة، فيما هي عمليًّا مجرد تتابعٍ نقليّ لرأي الشيخ من دون تعدد مستقل في الآراء.
وأكّد السيد الصافي أنّ هذا التنبيه من الشهيد الثاني يعكس وعيًا دقيقًا بظروف تكوّن الشهرة، ويدعو الباحثين إلى أن يميّزوا بين الشهرة المبنيّة على تكاثر الآراء قبل الشيخ الطوسي، وبين التشابه التدريجي للآراء بعده، الأمر الذي يغيّر من قيمة الشهرة ودلالتها في الاستدلال الفقهي.
واختتم سماحته بالتأكيد على ضرورة قراءة التراث الأصولي والرجالي والفقهي بوعيٍ سياقيّ، وتتبّع تاريخ تكوّن المباني العلميّة، وعدم الاكتفاء بالعبارات الأدبية التي قد تُختصر فيها الظواهر.









