البحث المتقدم

البحث المتقدم

٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٧

لماذا تفشل 90% من المشاريع الناشئة في عامها الأول؟

 

تعتبر المشاريع الناشئة من أهم عناصر الاقتصاد الحديث، فهي تحمل أفكارًا مبتكرة وفرصًا لإحداث تغيير جذري في الأسواق، إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن نحو 90% من هذه المشاريع تفشل خلال عامها الأول، ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا الفشل وكيفية تجنبه.

يرتبط فشل المشاريع غالبًا بعدة عوامل أساسية، أولها ضعف التخطيط والدراسة للسوق، حيث ينطلق كثير من رواد الأعمال بأفكارهم دون دراسة كافية لاحتياجات السوق أو المنافسين، مما يؤدي إلى منتجات أو خدمات لا تلبي طلب المستهلكين، فقد اشارت الدراسات إلى أن حوالي 42% من المشاريع الناشئة تفشل بسبب عدم وجود حاجة حقيقية في السوق لمنتجاتها أو خدماتها.

نقص الخبرة الإدارية والفنية من الأسباب المهمة وهي من التحديات التي تواجه المشاريع، فالمؤسسون الجدد غالبًا ما يكون لديهم حماس كبير لكن خبرة محدودة في إدارة الموارد المالية والبشرية، أو في استراتيجيات التسويق والمبيعات، وهو ما يضع المشروع في مواجهة صعوبات التشغيل اليومية.

تمثل الموارد المالية المحدودة حجر عثرة كبير بوجه نجاح المشاريع فهي تحتاج إلى سيولة كافية لتغطية النفقات الأولية وتطوير المنتج وتحمل الخسائر المبكرة، وغالبًا ما يفشل أصحاب المشاريع في الحصول على التمويل الكافي أو إدارة المصروفات بذكاء، حيث يُقدّر أن حوالي 29% من المشاريع تفشل نتيجة نفاد رأس المال، بالإضافة إلى غياب التكيف مع التغيرات التي تطرأ على الأسواق وعدم تعديل الاستراتيجيات ومواكبتها بسرعة لذا فهي تواجه صعوبة في البقاء.

 

لذلك، يُوصى بالاعتماد على خطة عمل واضحة، دراسة سوق دقيقة، إدارة مالية محكمة، بناء فريق مؤهل، ومرونة في التكيف مع التغيرات، لضمان تقليل مخاطر الفشل وتحقيق فرص أفضل للنجاح. كما أن التعلم من أخطاء المشاريع السابقة، والاستفادة من شبكات الدعم والاستشارات المتخصصة، يمثل عاملاً مهمًا في زيادة فرص البقاء والنمو.

نصائح لتجنب الفشل

  1.  قبل بدء المشروع، يجب التأكد من وجود حاجة حقيقية للمنتج أو الخدمة في السوق.
  2.  وضع ميزانية واضحة وتحديد مصادر التمويل المحتملة، مع مراعاة التوسع التدريجي.
  3.  اختيار أفراد ذوي مهارات متنوعة وملتزمين برؤية المشروع.
  4.  تحديد الجمهور المستهدف، استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وتحليل نتائج الحملات التسويقية بانتظام.
  5.  الاستماع إلى ملاحظات العملاء، متابعة التوجهات السوقية، والقدرة على التكيف مع التغيرات.

 

العتبة العباسية المقدسة

تُعد العتبة العباسية المقدسة من أبرز النماذج المؤسسية الناجحة في العراق والعالم الإسلامي، إذ استطاعت أن تجمع بين روح الخدمة الدينية والرؤية الإدارية الحديثة.

فقد طوّرت العتبة خلال السنوات الأخيرة منظومة متكاملة من المشاريع الخدمية والفكرية والتنموية، جعلتها واحدة من أكثر المؤسسات الدينية تنظيمًا وكفاءة في إدارة الموارد وتنفيذ المشاريع.

على الصعيد الخدمي، أطلقت العتبة مشاريع واسعة لخدمة الزائرين، من بينها مجاميع الضيافة والمضيف المركزي، ومراكز الإرشاد والمفقودين، ومواكب الإسعاف الطبي، وشبكات النقل والتنظيف، وكلها تعمل وفق نظام إداري منضبط وفرق متخصصة تُدرَّب سنويًا لاستيعاب الزيارات المليونية، ما جعلها نموذجًا في الإدارة الجماهيرية في الظروف الاستثنائية.

أما في الجانب الفكري والثقافي، فقد أسست العتبة مراكز علمية ودور نشر ومعاهد بحثية، مثل مركز العميد للدراسات والبحوث، ودار الكفيل للطباعة والنشر، ومركز تراث كربلاء، ومعهد القرآن الكريم، ومركز علوم القرآن والتفسير، وهي مؤسسات تعمل على إنتاج المعرفة وتوثيق التراث ونشر الوعي الديني والفكري المعاصر.

وفي المجال الاقتصادي والتنموي، أدارت العتبة عددًا من المشاريع الإنتاجية والزراعية والصناعية، مثل شركة الكفيل للاستثمارات العامة ومشروع الكفيل الزراعي والحيواني، والتي تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي ودعم الاقتصاد الوطني، إلى جانب تشغيل الأيدي العاملة المحلية.

كما يُحسب للعتبة العباسية المقدسة اهتمامها بالتعليم والبحث العلمي عبر تأسيسها جامعة العميد وجامعة الكفيل، وهما صرحان أكاديميان يقدمان تعليمًا حديثًا يعتمد على الجودة والبحث العلمي، ويشكلان رافدًا مهمًا للمجتمع في تطوير القدرات البشرية.

إن تجربة العتبة العباسية المقدسة تثبت أن الإدارة الناجحة للمشاريع لا تعتمد على التمويل فقط، بل على الرؤية والتخطيط والالتزام بالقيم، وأن الجمع بين العمل الخدمي والفكري والتنموي يمكن أن يصنع نموذجًا مؤسسيًا متكاملًا يسهم في بناء المجتمع وخدمة الإنسان.

 

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه المشاريع الناشئة، إلا أن الفشل ليس نهاية الطريق فمن خلال التخطيط الجيد، التعلم المستمر، والمرونة، يمكن تحويل الأفكار إلى مشاريع ناجحة ومستدامة.

مواضيع ذات صلة