البحث المتقدم

البحث المتقدم

١١ ذو القعدة ١٤٤٦

أصل لفظة (الرزق) عرض وردود

ورد في كتاب (الفوائد والمباحث اللغوية في مجلة لغة العرب) عن أصل كلمة (الرزق) ما نصّه:

((المشهور بين اللغويين أن لفظة الرزق عربية فصيحة، ولم يخطر ببال أحد أنها من أصل أعجمي. أما نصوص اللغويين على صحة هذه اللفظة وعربيتها المحضة فأكثر من أن تُحصى، ومن أراد التحقيق فليطلبها في مظانها على أني أذهب إلى أنها من أصل فارسي، وقبل أن تقف على هذا الأصل عليك أن تعلم أن المراد من الرزق في كلام الفصحاء والعوام هو (قوت اليوم) سواء كان هذا القوت لأبناء آدم أو لأبناء الحيوان على اختلاف طبقات القبيلين، ومنه: ﴿وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ، وَإِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا، وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ، وَإِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ. فإذا أعلمت ذلك فلا يبعد من أن يكون هذا اللفظ مشتقاً من لفظة (روزه) الفارسية ومعناها (القوت اليومي)، وروزه مأخوذة من روز أي يوم وأنت خبير بأن ما يكون آخره بالهاء في الفارسية يعرب بالقاف أو الجيم أو الكاف بالعربية كجردق وجرموق وخندق وديباج ودورق ودلق ودائق ودهلج والأصل فيها: جرده ومرموزه، وخنده، وديباه ودوره ودله ودانه، ودهنة، وعليه قالوا: روزق في روزه، ثم خففت فقيل: (رزق). ولما أدخلوها في لغتهم

الفوائد والمباحث اللغوية في مجلة لغة العرب اشتقوا منها ألفاظاً أخرى، وتصرفوا بها تصرفهم بالألفاظ العربية؛ فقالوا: رزق وارتزق واسترزق والرازق والرزاق والرزقه والمرزق والمرزوق... إلى آخر ما هناك.

بقلم: نرسیسیان

الترجمان الأول في القنصلية الإنكليزية في بغداد

وكان رد إدارة مجلة (لغة العرب) ما نصه: ((وممن ذهب إلى هذا الرأي أيضاً السيد أدي شير رئيس أساقفة سعرد الكلداني في كتابه الألفاظ الفارسية المعربة) (ص ۷۲)، وهو رأي محتمل، كما أنه يحتمل أن يكون عربياً صرفاً مشتقاً من الزق، يقال: زق الطائر فرخه أطعمه بمنقاره. ويفعل الطائر هذا الفعل كل يوم إلى أن ينهض أو يقوى فرخه؛ فإطعام الله عبيده كل يوم هو من هذا الباب لأنه تعالى بمنزلة الأب الشفيق على أبنائه. هكذا تصور العرب أمر الرزق بالنسبة إلى الرازق.

وإن قلت: من أين أنت الراء المثبتة في أول اللفظة؟

قلنا: قد أثبتنا في إحدى المجلات العلمية التي تنشر في بيروت أن أصل الألفاظ العربية كلها ثنائي كما اتفق عليه جمهور اللغويين في عهدنا هذا، ثم زيدت حروف في أوائل اللفظة أو أواسطها أو أواخرها كلما احتاج الواضع إلى معنى جديد وأراد أن يحدثه في اللفظ الثنائي؛ فزادوا هنا الراء في الأول لأن الراء تفيد التكرير والإعادة، فكان الواضع أراد في قوله: رزق الله عبده (زقه مكرراً عمله يوماً بعد يوم). وزيادة الراء في الأول حقيقة لا تنكر من ذلك مثلاً: رجس الماء قدره بالمرجاس وأصله جسه، ورمث الشيء مسحه بيده، وأصله منه، والرحامس بضم الأول وكسر الميم الجريء الشجاع، وهو مشتق من الحماسة.

وزيادة الراء في الوسط واردة أيضاً في العربية، منها العريرب في العرب وهو (السماق) وقدر عَرَبرَبية في عبربية، والخروص في الخوص، وشرطا النهر وهما شطاه، والجَحْمَرِش في الجَحْمَش.

وكذلك معروفة زيادة الراء في الآخر، من ذلك شمخر في شمخ، وبحثر في بحث، وفجر الشيء في فجه، والبحريت في البحث.. إلى آخر ما ورد في لسانهم وهو كثير لا يُحصى.

وأما زقه فعربية قحة لأنها مشتقة من حكاية صوت الزق، والقارئ مخير في اتباع الرأي الذي يستحسنه أو يلذ له، وهو فوق كل علم عليم.

(المصدر الفوائد والمباحث اللغوية في مجلة لغة العرب: 77-79).

الردّ على ما تقدّم:

إنّ كلّ ما طُرح في مسألة أصل اللفظ إن كان فارسيًا من (روزه)، أو عربيًا من (زق)، قد يكون فيها شيء من الصحة، إلا أننا لا نذهب ولا نرجّح كل منهما، إذ لا داعي للذهاب إلى المعجمات الفارسية للوقوف على أصل الكلمة؛ لأنّ الأولى البحث في المعجمات العربية فإن لم تجد مثل هذا الأصل رجعت إلى معجمات أخرى، وكذلك لا حاجة إلى البحث في جذر (زق) مع وجود الجذر العربي الواضح (رزق)، حتى تستنتج أنّ (رزق) من (زق) مع إضافة الراء، فالمعروف أن بعض الأصول العربية الثنائية، أضيف لها بعض الحروف واستوت ثلاثية ولها معان متعدّدة، إلا أن اللغويين يشيرون إلى مثل هذه المسائل سواء في المعجم أو في كتب الصرف.

وما أوردته المجلة من كلمات وألفاظ زيدت فيها الراء إنما هي قليلة وتكاد تكون وحشية في اللغة العربية الفصحى، فليست كلمة (رزق) في الأصل (زق) زيدت راء في وسطها، كما في (عرب عريرب)، إذ ليس هنا مسوغ لتلك الزيادة.

وقد رجعت إلى المعاجم العربية المعتبرة فلم أجد من يتكلم بذلك؛ أي لم أجد من قال: إنّ الرزق في الأصل مشتق من (الزق) فقد جاء في العين: (ر ز ق، ز ر ق يستعملان فقط رزق: رَزَق الله يَرزُق العباد رِزقاً اعتمدوا عليه، وهو الاسم أخرج على المصدر وقيل: رَزْقِ، وإذا أخذ الجند أرزاقهم، قيل: ارتزقوا رزقة واحدة أي مرة).

وفي المحيط: (الرِّزْقُ: مَعروفٌ، وارْتَزَقَ الجُنْدُ أرْزاقَهم. والرَّزْقَةُ: المَرَّةُ الواحدةُ).

وفي الجمهرة: (الرِّزْق: معروف، رِزْق الله تعالى، والرَّزْق المصدر)

وفي الصحاح: (الرِزْقُ: ما يُنْتَفَعُ به والجمع والأرْزاقُ. والرِزْقُ العطاءُ، وهو مصدر قولك: رَزَقَهُ الله. والرَزْقَةُ بالفتح: المرّة الواحدة، والجمع الرَزَقاتُ، وهي أطماع الجند. وارْتَزَقَ الجندُ، أي أخَذوا أرزاقهم).

 وفي تهذيب اللغة: (قال الليث: الزرق معروف ورَزَق الأمير جنده فارتزقُوا ارتزاقاً، وقال غيره: الرّازق والرّزاق من صفة الله جل وعز لأنه يرزق الخلق أجمعين).

 وفي اللسان: (الرازقُ والرّزَّاقُ في صفة الله تعالى لأَنه يَرزُُق الخلق أَجمعين وهو الذي خلق الأَرْزاق وأَعطى الخلائق أَرزاقها وأَوصَلها إليهم وفَعّال من أَبنية المُبالغة والرِّزْقُ معروف والأَرزاقُ نوعانِ ظاهرة للأَبدان كالأَقْوات وباطنة للقلوب والنُّفوس كالمَعارِف والعلوم).

وفي تاج العروس: (الرِّزْقُ بالكَسْرِ: ما يُنْتَفَعُ به وقِيلَ: هو ما يَسُوقُه اللّهُ إلى الحَيَوانِ للتَّغَذي أي: ما به قِوامُ الجسمِ ونَماؤه وعندَ المُعْتَزِلَة: مملوكٌ يَأكُلُه المُسْتَحِقُ فلا يَكُونُ حَراماً كالمُرتَزَقِ على صِيغَةِ المَفْعُول).

فالرزق كلمة عربية قُحّة فصيحة لها دلالتها ومشتقاتها، التي تختلف عن مشتقات (زقّ) في كثير من المواضع، وعليه فلا يقبل من الكاتب ولا من المجلة، بأن تذهب مذهبا بعيدا في أصل كلمة رزق، مع جلّ احترامي واعتزازي بالكاتب وإدارة المجلة.

مواضيع ذات صلة