تعزيزاً للعلاقات الثقافية والدينية العتبة العباسية مستمرة بأستقبال الزيارات الرسمية
الشهيد السعيد الشيخ حسن عبد علي حمزة العيساويّ أحد الرموز الدينية والجهادية التي سطّرت بأفعالها أسمى معاني التضحية والفداء في سبيل الدفاع عن العقيدة والمقدّسات والوطن. يعدّ الشيخ حسن مثالاً للعالم الذي جمع بين طلب العلم والتبليغ الديني والعمل الجهادي، وقد استجاب لنداء المرجعية الدينية العليا حين دعت أبناء العراق للدفاع عن وطنهم في مواجهة الإرهاب.
نشأة الشهيد ومسيرته العلمية
وُلد الشيخ حسن عبد علي حمزة إبراهيم العيساوي في عام 1979 م، في محافظة بابل، قضاء الإسكندرية، لكنه انتقل لاحقًا إلى محافظة كربلاء المقدّسة واستقر فيها مع أسرته.
كان الشيخ حسن متزوجًا وله ثلاث بنات وولد واحد، وأكمل تعليمه الإعدادي وواصل طلب العلم بشغف، مما دفعه للالتحاق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف، إذ بدأ مشواره العلمي والديني في التلقي والدراسة على أيدي كبار العلماء.
لم تكن رحلة الشيخ حسن في طلب العلم سهلة، فقد واجه العديد من التحديات والصعوبات، من بينها الظروف الاقتصادية الصعبة التي أجبرته على العمل بجانب دراسته، وعلى الرغم من تلك الظروف، استطاع بفضل صبره وإصراره أن يتجاوز جميع العقبات، فكان يعمل بجهد ويعين أهله ويشتري الكتب اللازمة لدراسته، وظل مستمرًا في طلب العلم حتى بلغ مراحل متقدّمة من الدراسة في الحوزة.
في عام 2009م، دخل الشيخ حسن مرحلة البحث الخارج في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، وهي من المراحل المتقدمة في الدراسات الدينية، وخلال هذه المدّة، درس على أيدي عدد من كبار العلماء، من بينهم المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي (مد ظله)، وآية الله السيّد محمّد رضا السيستاني، وآية الله السيّد محمّد باقر السيستانيّ، وآية الله الشيخ هادي آل راضي، وآية الله الشيخ محمد باقر الإيرواني (حفظهم الله جميعًا).
اعتمر الشيخ حسن العمامة عام 2007م على يد المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيّد علي السيستاني (مدّ ظله)، وبدأ يمارس دوره الديني والتبليغي داخل المجتمع.
الدور التبليغيّ والاجتماعيّ
كان للشيخ حسن دور بارز في نشر تعاليم الدين الإسلامي في المجتمع، إذ كان يلقي المحاضرات الدينية في مسجد الهندي بكربلاء، ويعلم الناس العقائد والأخلاق المحمدية، وكان يتسم بتواضعه وأخلاقه العالية، ما جعله محط احترام ومحبة من قبل الجميع، كما كان يشارك بفعالية في الدورات التبليغية التي تقام لحجاج بيت الله الحرام، وكان حريصًا على توجيههم وإرشادهم إلى الالتزام بالأخلاق الإسلامية وقيم الدين الحنيف.
تميز الشيخ حسن أيضًا بحبه للإمام الحسين (عليه السلام)، فقد كان يواظب على زيارة مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في ليالي الجمع، ويخدم زواره لا سيما في زيارة الأربعين، فقد كان يفتح قلبه وبيته لخدمة الزوار، ويقدم لهم الطعام والمأوى ويحرص على كسب رضا الله وشفاعة سيد الشهداء.
استجابة الشيخ حسن لفتوى الجهاد الكفائي
مع دخول عصابات داعش الإرهابية إلى العراق في عام 2014 واحتلالها لأجزاء من البلاد، أصدرت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف فتوى الجهاد الكفائي، التي دعت فيها العراقيين إلى الدفاع عن أرضهم ومقدّساتهم، كان الشيخ حسن من أوائل المستجيبين لهذا النداء، ولم يتوانَ عن ترك دوره التبليغيّ والالتحاق بصفوف المجاهدين للدفاع عن العراق.
بعد شهر من صدور الفتوى المباركة، التحق الشيخ حسن بمركز التدريب العسكري في كربلاء، وبعد انتهاء تدريبه، انضمّ إلى صفوف المجاهدين في العتبة العلويّة المقدّسة، ثمّ انخرط في فرقة العباس القتالية، وكانت له مواقف بطولية عديدة في ميادين القتال، فقد شارك في تحرير العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، من بينها صلاح الدين وتكريت وجرف النصر وسامراء واللطيفية واليوسفية.
شجاعة وبطولات الشيخ حسن في المعارك
أظهر الشيخ حسن في أثناء المعارك التي خاضها شجاعة لا تضاهى، إذ كان في مقدمة المقاتلين يقود العمليات بنفسه، ويوصل الدعم اللوجستي للمجاهدين تحت نيران العدو. تم اختياره قائداً لأحد المحاور القتالية في منطقة بيجي، حيث قاد العمليات بشجاعة وإقدام، وكان يحث المجاهدين على التضحية والفداء من أجل العقيدة والوطن.
لم تكن شجاعة الشيخ حسن مقتصرة على القتال فحسب، بل كانت تنعكس أيضًا في روحه المعنوية العالية وتأثيره الكبير على رفاقه في الجبهات، كان يمثل القائد الذي يجمع بين القوة والرحمة، يرفع معنويات المقاتلين ويغرس فيهم حب الشهادة في سبيل الله.
استشهاد الشيخ حسن
في يوم 21 يوليو 2015، وفي أثناء تأدية واجبه الجهادي في منطقة بيجي، تعرّض الشيخ حسن لانفجار عبوة ناسفة زرعتها عصابات داعش الإرهابية، واستشهد الشيخ حسن ومعه رفيق دربه السيد محمد رضا الناجي وعدد من المجاهدين، ليصعد بروحه الطاهرة إلى بارئها، تاركاً خلفه إرثاً عظيماً من الجهاد والتضحية.
صادف استشهاد الشيخ حسن ثالث أيام عيد الفطر المبارك، وتم تشييعه في موكب مهيب في بغداد في الكاظمية، حيث صلى عليه سماحة الشيخ حسين آل ياسين (حفظه الله)، ثمّ تمّ نقله إلى النجف الأشرف، حيث أقيم له تشييع آخر حضره جمع غفير من العلماء وطلبة الحوزة العلمية وأهالي المدينة، صلى على جثمانه الطاهر سماحة آية الله الشيخ باقر الإيرواني (حفظه الله)، ليكون وداعاً يليق بعالم مجاهد وبطل ميداني.
لقد فقد العراق برحيل الشيخ حسن العيساوي أحد أبنائه البررة، وفقدت الحوزة العلمية طالب علم مجتهدًا، وفقدت الجبهات مقاتلاً شجاعًا وقائدًا ميدانيًا، لكن روحه ستظل خالدة في قلوب محبيه وأهله وكل من عرفه، كان أنموذجًا للعالم الذي جمع بين العلم والجهاد، والتضحية في سبيل العقيدة والمقدسات، وسيظل مثالاً يُحتذى به في الأجيال القادمة.
_________________________________________________________________________
المصدر: موسوعة فتوى الدفاع الكفائي، الجزء الخامس عشر، جهود الحوزة العلمية في النجف الاشرف 1 كوكبة شهداء الحوزة العلمية، ص 39.