دور معتمد المرجعية في المسيب الشيخ عقيل النصراوي في تعبئة الجماهير وتثقيفهم للفتوى
في صباح يوم الأربعاء 22 شباط 2006م، الموافق 22 محرم الحرام 1427هـ، استيقظ العراقيون على نبأ صادم هزّ البلاد وهو: تفجير القبة الذهبية لضريح الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في مدينة سامراء.
هذا التفجير الإرهابي، الذي وقع بعد ثلاث سنوات فقط من سقوط نظام البعث، جاء في لحظة حساسة في تاريخ العراق، وكان واضحًا أنّ الغاية منه إثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي.
مدينة سامراء التراث والتاريخ
تقع مدينة سامراء على الضفة الشرقية لنهر دجلة وتبعد 120 كم شمال العاصمة بغداد.
تعدّ سامراء مركزًا حضريًا مهمًا في محافظة صلاح الدين، وتحدّها من الشمال مدينة تكريت، ومن الغرب الرمادي، ومن الشرق بعقوبة.
كانت عاصمة الدولة العباسية بعد بغداد، إذ أسسها الخليفة المعتصم بالله عام 221هـ / 835م تحت اسم (سُرّ مَن رَأى)، وتحوّلت إلى مركز للعالم الإسلاميّ.
تحتضن سامراء العديد من المعالم الإسلامية المهمّة، وعلى رأسها مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام)، إضافة إلى سرداب غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ; لهذه الأسباب، تكتسب سامراء مكانة دينية كبيرة لدى المسلمين الشيعة الإثني عشرية في كل بقاع العالم.
ووفقًا لإحصاءات وزارة التخطيط العراقية لعام 2013م، فإن عدد سكان المدينة يتجاوز 190,000 نسمة، أغلبهم من السنة، وإدراج سامراء من ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2007.
تفاصيل التفجير الإرهابيّ
في يوم الثلاثاء، 21 شباط 2006م، وعند الساعة 7:55، قامت مجموعة من المسلحين باقتحام مبنى المرقدين الطاهرين في سامراء، فتمكنوا من تقييد أفراد الشرطة الخمسة المسؤولين عن الحماية، وزرعوا عبوتين ناسفتين تحت قبة الضريح. وفي الساعة 6:45 من صباح اليوم التالي، انفجرت العبوتان ممّا أدّى إلى تدمير القبة، التي كانت واحدة من أكبر قباب العالم الإسلامي وأبرز معالمه.
في بيان لوزارة الداخلية العراقية بعد التفجير، أشار البيان إلى أنّ قوة حماية المنشآت المسؤولة عن حماية المرقد كانت تضمّ 35 عنصرًا، إلّا أنّ غيابهم وقت الهجوم يثير تساؤلات لم يُجَب عنها، ووفقًا للتقرير استعمل الإرهابيون نحو 100 كغ من المتفجرات، ما جعل العملية تستمر عدّة أيام لنقل وتثبيت المتفجرات داخل المرقد.
تداعيات التفجير
لم يمرّ وقت طويل على وقوع التفجير حتى توافد الآلاف من أهالي سامراء إلى موقع الحادثة، معبّرين عن غضبهم واستنكارهم لهذه الجريمة البشعة.
تجمهر المواطنون حاملين رموزًا دينية مثل عمامة الإمام علي الهادي عليه السلام وسيفه، مطالبين بالقصاص من الجناة، وتلت ذلك مظاهرات عارمة اجتاحت معظم مدن العراق، تعبيرًا عن غضب العراقيين ورفضهم للفتنة التي حاول الإرهابيون إشعالها.
دور المرجعيات الدينية في التهدئة الأوضاع
لعبت المرجعية الدينية في النجف الأشرف دورًا كبيرًا في منع اندلاع الفتنة الطائفية التي سعى الإرهابيون لإشعالها.
في 23 محرم الحرام 1427هـ، أصدر مكتب سماحة السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ بيانًا شديد اللهجة أدان فيه الجريمة وأكد على ضرورة أن تتحمل الحكومة العراقية مسؤولياتها في حماية الأماكن المقدّسة، وحذر البيان من الانجرار إلى الفتنة الطائفية، ودعا المؤمنين إلى التعبير عن استنكارهم بالطرق السلمية.
كما أصدر مكتب المرجع الديني اية الله العظمى الشيخ محمّد إسحاق الفياض، بيانًا استنكر هذه الفاجعة المروعة وانتهاك حرمة الإمامين المعصومين موصيًا بإعلان الحداد وتعطيل الأسواق لسبعة أيام والخروج بمسيرات سلمية احتجاجًا على هذا الاعتداء الآثم داعيًا إلى عدم التعرض لمقدّسات الطوائف الأخرى.
أصدر مكتب المرجع الدينيّ آية الله العظمى بشير النجفيّ بيانًا استنكر فيه الفاجعة الأليمة مؤكدًا أنّها ضربة في صميم الإسلام مؤكّدًا أنّها محاولة خبيثة لإشعال نار الطائفية في العراق بين السنة والشيعة، وأعلن فيه تعطيل عمل الحوزة العلمية والحداد لمدة أسبوع.
وكذلك أصدر مكتب المرجع الدينيّ آية الله العظمى السيّد محمّد سعيد الحكيم، بيانًا استنكاريًا للفاجعة الأليمة واصفًا إياها بالجريمة الكبرى، ودعا إلى الحداد لمدة أسبوع والخروج بمسيرات سلمية احتجاجًا على الاعتداء الآثم، وغيرهم من علماء ومراجع في النجف والعالم الإسلامي.
إلى جانب المرجعية الشيعية، دعا علماء الدين من الطائفة السنية في العراق إلى ضبط النفس وعدم الانجرار إلى الفتنة.
كان لهذا الدور الحاسم أثر كبير في الحد من انتشار العنف الطائفيّ، إذ شدّدت هذه القيادات الدينية على الوحدة الوطنية، وحذّرت من العواقب الوخيمة لاستهداف الأماكن المقدّسة.
ردود فعل عالمية
العملية الإرهابية لقيت تنديدًا واسعًا على الصعيدين العربيّ والدوليّ، عبّر كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة، عن صدمته العميقة، وأدان الجريمة بشدّة.
كما أصدر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجيّ عبد الرحمن بن حمد العطية، بيانًا أعرب فيه عن رفضه لمثل هذه الأعمال الإرهابية، مجددًا دعوة دول المجلس لمكافحة التطرّف. إضافة إلى ذلك، استنكرت العديد من الدول العربية والأوروبية هذا الهجوم، بما في ذلك (مصر، سوريا، إيران، الكويت، الأردن، وفرنسا).
الإعلام وتأثيره على الأحداث
لعب الإعلام دورًا محوريًا في نقل أخبار التفجير وتداعياتهُ، بعض وسائل الإعلام ساهمت في تهدئة الوضع، في حين كانت هناك وسائل أخرى ساهمت في تضخيم الفتنة الطائفية. تعرّض الإعلام العراقي لضغوط كبيرة للحفاظ على نزاهته وسط الصراع، بينما حاولت القنوات الأجنبية تقديم تغطية متوازنة للمشهد العراقيّ.
التحقيق والقصاص
عقب التفجير أعلنت الحكومة العراقية اعتقال 10 من المشتبه بهم بناءً على معلومات أدلى بها أحد المعتقلين، وفي عام 2011م، أصدرت المحكمة العراقية حكمًا بالإعدام على شخص تونسي يُدعى يسري فاخر الطريقيّ، المعروف بلقب (أبي قتادة التونسيّ)، وآخر عراقي الجنسية يُدعى محمد حسين، والملقب بـ(أبي عبد الرحمن)، لدورهم في التفجير.
تمّ تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهمين في العام نفسه.
إعادة بناء المرقد
بعد التفجير، توحّدت جهود العتبات المقدّسة وبدعم الحكومة العراقية والاتحاد الأوربيّ لإعادة بناء المرقد الشريف، وبدأت مكتب منظمة اليونسكو بتنفيذ مشروع ترميم المرقد في عام 2006م، بدعم من الاتحاد الأوروبيّ الذي خصّص 5.4 مليون دولار للمشروع.
كما ساهمت الحكومة العراقية بمبلغ إضافي قدره 3 ملايين دولار، وفي عام 2009م، بدأت عمليات إعادة بناء القبة الذهبية، واستمرت حتى تمّ افتتاحها مجدّدًا في 28 آب 2015م، بعد استكمال أعمال الترميم وطلائها بالذهب، وكان هذا المشروع بمثابة رمز لإصرار العراقيين على التوحد ضد الإرهاب.
العراقيون يتجاوزون الفتنة
بعد مرور 19 عامًا على التفجير، ما زالت ذاكرة العراقيين حاضرة بقوة، ليس فقط كذكرى أليمة، بل كتجربة وحّدتهم في مواجهة محاولات تمزيق نسيجهم الاجتماعيّ، على الرغم من التحديات الكبيرة، كان التماسك الاجتماعي والالتزام بوصايا المرجعية الدينية العليا سلاحًا فعالًا في تفويت الفرصة على الأعداء الذين أرادوا تدمير العراق، وبفضل توجيهات المرجعية العليا، بقي العراقيون متحدين أمام كل المحاولات الرامية إلى إحداث الفتنة، محافظين على وحدة البلاد ومستقبلها.