في مزار القاسم(ع)... العتبة العباسية تستعرض جهودها في زيارة الأربعين
في ظل الظروف الأمنية الحرجة التي مرّ بها العراق في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، كانت زيارات ممثلي المرجعية الدينية العليا إلى جبهات القتال تكتسب أهمية كبيرة، ومن أبرز هذه الزيارات تلك التي قام بها المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدّسة سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) إلى مدينة سامراء وعدد من القطعات العسكرية المنتشرة هناك.
جاءت هذه الزيارات لتعكس الدعم الروحي والمعنوي الكبير الذي تقدّمه المرجعية الدينية للمجاهدين على السواتر، ولتساهم في رفع معنوياتهم وإعادة شحنهم بالطاقة الإيجابية في مواجهة الإرهاب.
وفي أوج المعركة التي خاضها العراق ضدّ قوى الظلام والإرهاب، برزت شخصية سماحة المتولي الشرعيّ للعتبة العباسية المقدّسة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) كرمزٍ للثبات والعطاء؛ فقد جسدت زياراته المتكرّرة إلى جبهات القتال روحًا معنويةً عظيمةً ودعمًا لا محدود للمجاهدين المرابطين، ولم تكن تلك الزيارات مجرد خطوات تقليدية بل كانت بمثابة نبع من الإلهام والدعم الروحي، إذ أضاءت قلوب المقاتلين بنور العزم والإصرار، وأكدت على الالتزام العميق للمرجعية الدينية بدعم أبنائها في أحرج الأوقات.
زيارة مدينة سامراء
في الـ 30 من كانون الاول 2018، توجه سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) برفقة وفد من العتبة العباسية المقدّسة إلى مدينة سامراء المقدّسة، التي تمتاز بأهمية دينية وتاريخية بالغة، فضلًا عن كونها منطقة ذات نسيج اجتماعي متنوع، وشملت الزيارة العديد من اللقاءات والاجتماعات التي عكست الاهتمام الكبير من قبل المرجعية الدينية العليا بأمن واستقرار المدينة.
كانت المحطة الأولى للوفد في العتبة العسكرية المقدّسة، إذ التقى السيّد الصافي بأمينها العام سماحة الشيخ ستار المرشديّ (دام عزّه)، وتباحثا حول الوضع الأمني والخدمي في المدينة، والأوضاع اللوجستية للعتبة العسكرية، وهذا اللقاء أسفر عن تفاهمات بشأن مجموعة من النقاط التي تعزّز أمن المدينة وتساهم في تحسين الخدمات المقدّمة للزائرين.
لاحقًا عقد سماحة السيّد الصافي اجتماعًا مع قائد عمليات سامراء اللواء الركن عماد الزهيريّ، وقائممقام قضاء سامراء الأستاذ محمود خلف أحمد، إذ تناول اللقاء مناقشة العقبات والمشكلات الأمنية والخدمية التي يعاني منها القضاء، وتمّ وضع مجموعة من الحلول التي تمّت مناقشتها مع الحكومة المركزية والقيادات الأمنية العليا.
دعم القطعات العسكرية
في اليوم الثالث من زيارته، توجّه السيّد أحمد الصافي (دام عزه) والوفد المرافق له إلى عدد من القطعات العسكرية المنتشرة في سامراء.
كانت البداية بزيارة قوات الرسول (صلى الله عليه وآله سلم) النهرية، التي تتمركز على مساحة واسعة من نهر الفرات، واستعمل الوفد الطرادات المائية للتنقل بين النقاط العسكرية لهذه القوة.
ثمّ توجّه الوفد إلى مقر عمليات سامراء التابع لهيئة الحشد الشعبيّ، فالتقى السيّد الصافي بمعاون قائد عمليات محور شرق دجلة والمسؤول الأمني فيه اللواء الركن وهاب المالكي. تبع ذلك زيارة مقر (سرايا السلام)، إذ اطمأنّ السيّد الصافي على أوضاع المقاتلين واطلع على الوضع الأمني في المناطق التي يشرفون عليها.
وفي جميع هذه الزيارات، نقل سماحة السيّد سلام ودعاء المرجعية الدينية العليا للمقاتلين، مؤكدًا على مكانتهم العالية ودورهم الكبير في حماية الوطن، كما شدد على أن تضحياتهم لا يمكن أن تُنسى وأنهم مصدر فخر لكل العراقيين.
أثر الزيارات على المقاتلين
لا شكّ أن هذه الزيارات كان لها أثر نفسي كبير على المقاتلين، اذ عبروا عن حبهم العميق لمرجعيتهم الدينية وتمسكهم بها عن طريق استقبال حافل تخللته الأهازيج والهتافات التي تعكس روح التماسك والقوة التي يتمتعون بها، وكانت الكلمات التي وجهها السيّد الصافي لهم مصدر دعم نفسي ومعنوي كبير، فقد شعروا بأنهم ليسوا وحدهم في المعركة وأن هناك من يساندهم ويدعو لهم.
زيارة مرقد السيّد محمد بن الإمام علي الهادي(عليهما السلام)
في اليوم الرابع والأخير من زيارة السيّد الصافي إلى سامراء توجّه سماحته إلى مرقد السيّد محمد بن الإمام علي الهادي (عليهما السلام)، والتقى بالأمين الخاص للمرقد وتباحثا حول مراحل الإعمار فيه والإجراءات الأمنية الجديدة المتخذة بعد التفجير الإرهابي الأخير.
هذه الزيارة جاءت لتؤكد على أهمية حماية الأماكن المقدسة وصيانتها من أي تهديدات أمنية.
تصريحات السيّد أحمد الصافي حول الزيارة
وفي ختام زيارته أشار سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزه) إلى أهمية هذه الزيارات ونجاحاتها قائلًا: "لقد وفقنا الله تعالى لزيارة سامراء المقدّسة وزيارة الإمامين علي الهادي والحسن العسكريّ (عليهما السلام).
لقد لمسنا تطورًا كبيرًا في الوضع الأمني هناك، ووجدنا أبناء المدينة على أهبة الاستعداد لكل طارئ. كما وفقنا الله تعالى لزيارة أبنائنا وإخواننا الأعزاء المقاتلين في ساحات القتال، ووجدنا فيهم روحًا قوية ومعنويات عالية."
وأضاف سماحته: "إن هؤلاء المقاتلين الأبطال يكتبون تأريخ العراق بدمائهم وتضحياتهم. لذلك، دعوانا لهم ونحن على هذه السواتر، ونسأل الله تعالى أن يحفظهم ويثبت أقدامهم ."
توثيق بطولات المجاهدين في موسوعة فتوى الدفاع الكفائي
تحدث سماحة السيّد الصافي عن الأهمية القصوى لتوثيق تضحيات المقاتلين وبطولاتهم، مشدّدًا على أنّ هؤلاء الأبطال يسطرون تاريخ العراق بدمائهم وتضحياتهم، وأكد على ضرورة تسجيل هذه البطولات وحفظها حتى لا يُسرق التاريخ مجدّدًا كما حدث في الماضي.
في هذا السياق، لم يقتصر دعم العتبة العباسية المقدسة على الجانب المعنوي فقط، بل امتد ليشمل جانبًا توثيقيًا بالغ الأهمية عبر إصدار موسوعة فتوى الدفاع الكفائي، هذه الموسوعة التي أُنجزت في عام 2020، وبلغت بحلول عام 2024 حجمها إلى 80 مجلدًا، تُعدّ سجلًا حيًا يوثق بطولات المتطوعين والقوات الأمنية في ساحات القتال. وقد تمّ إعداد هذه الموسوعة بأقلام عراقية حرصت على نقل الحقائق كما حدثت على أرض الواقع، لتكون جزءًا من العرفان الذي تقدمه العتبة العباسية المقدسة لأولئك الأبطال الذين لبوا نداء المرجعية للدفاع عن أرض العراق.
موسوعة فتوى الدفاع الكفائي تجسد جهدًا توثيقيًا عظيمًا تمّ بواسطة قسم الوافي للتوثيق والدراسات، إذ خُلِّدت بها أروع البطولات والأحداث التي شهدتها معركة تحرير العراق من الإرهاب.
ولم يكن توثيق هذه البطولات مجرد حفظ لذاكرة الأحداث العظيمة، بل هو شهادة على شجاعة وإقدام أبناء العراق، وتخليد لتضحياتهم للأجيال القادمة.
وفي جميع القطعات العسكرية التي تمت زيارتها، نقل سماحة السيد: (سلام ودعاء المرجعية الدينية العليا للمقاتلين، وذكر لهم بعض العبارات التي قالها سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) بحقهم، وأوضح لهم بأنهم أصحاب فضل كبير في هذه الفترة، وان وقفتهم مشرفة ولا يمكن أن تنسى).
زيارات أخرى لسماحة السيّد أحمد الصافي
لم تكن هذه الزيارة هي الوحيدة التي قام بها سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه) إلى جبهات القتال، فقد قام بزيارات متعددة إلى مناطق مختلفة مثل الموصل وتلعفر، إذ كانت تلك الزيارات تركز على دعم المقاتلين نفسيًا ولوجستيًا، والتأكد من استتباب الأمن في المناطق المحررة.
في زيارته إلى الساحل الأيمن من الموصل في التاسع من آذار عام 2017، تفقّد سماحته قواطع العمليات هناك واطلع على جهود المقاتلين في تحرير المناطق المحتلة من قبل داعش. كانت هذه الزيارة تتويجًا لعدّة لقاءات مع القيادات العسكرية والأمنية، وتمّ خلالها وضع خطط لتعزيز الأمن وحماية المناطق المحررة.
أما زيارته إلى قضاء تلعفر، فقد جاءت لتأكيد الانتصارات التي حققتها القوات الأمنية والحشد الشعبي في تحرير هذا القضاء من سيطرة داعش.
وكانت الجولة التي قام بها السيد الصافي إلى مقرات قيادة ألوية الحشد الشعبي فرصة لتقديم الشكر والدعم للجنود والمقاتلين، الذين كانوا في مواجهة مباشرة مع العدو.
لقد كان سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) يجسد في كل خطوة يخطوها إلى ساحات المعركة قوة الإيمان وعظمة التضحية، ليكون بزياراته هذه عنوانًا لصمود الأمة ودرعًا معنويًا يصدّ عن المقاتلين وحشة الحرب وضراوتها. حملت هذه الزيارات معها ليس فقط كلمات التشجيع والدعاء، بل كانت بمثابة رسائل تضامن وتلاحم، تعزز في نفوس المجاهدين الثقة بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان، وأن المرجعية تقف إلى جانبهم، تحمل همومهم وتشد من أزرهم في كل لحظة.إنّ زيارات سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) إلى جبهات القتال لم تكن مجرد زيارات عابرة، بل تعبيرًا عن الدعم الروحي والمعنوي الذي تقدمه المرجعية الدينية للمجاهدين. فقد كانت هذه الزيارات لها دور كبير في رفع معنويات المقاتلين وتجديد عزيمتهم في مواجهة الإرهاب.
لقد كانت هذه الجولات أكثر من مجرد زيارات؛ كانت مواقف بطولية سجلت بأحرف من نور في تاريخ العراق، لتشهد للأجيال القادمة على دور المرجعية الرشيدة، ولتبقى شاهدة على الدور الريادي لسماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزه) في دعم المقاتلين وإلهامهم. هذا الدور يعزّز قيم الوفاء والولاء للوطن والقيم الإنسانية النبيلة التي دافعوا عنها بأرواحهم، ويضع مثالًا يُحتذى به في الإيثار والتفاني في خدمة الوطن والإنسانية.