أود في هذه المقالة القصيرة أن أشير إلى بعض النقاط التي تُثار في كل شهر محرم، فهذا الشهر ما إن يهل هلاله على المسلمين عامة وعلى مذهب أهل البيت خاصة حتى يبدأ معه الشدّ والجذب والجدال والنقاش بما يكتنف هذا الشهر من أحداث تاريخية ومن شعائر ومن ممارسات تجعل من الصف الواحد عدّة صفوف ما بين مؤيّد ومخالف ومتحفّظ ومطالب بالتهذيب، بمعنى أوضح ما بين مؤيد للشعائر بما هي هي، وما بين مخالف لها حسب وجهة نظره، وما بين متحفّظ لا يبدي رأيًا لئلّا يُحسب على جهة ما، وما بين من يطالب بتهذيب الشعائر بما يتناسب وروح النهضة الحسينية، هذه نقطة.
النقطة الأخرى هي أنّ هذه النقاشات تغلب عليها الحدّة وربما تصل إلى اتهام الآخر بالغلو أو الخروج عن الجادة الصحيحة أو غير ذلك من الاتهامات، إلّا أنّ هذه النقاشات لا تجدي ولا تُثمر ولا تعطي نتائج مرجوّة، بل هي حلبة لإبراز العضلات في الدفاع عما يؤمن به المناقش عن فكرته، في حين الأحرى بالمجتمع أن يتجه إلى النقاشات التي من شأنها التعريف بالقضية الحسينية والنهضة الحسينية ودوافعها وأسبابها ونتائجها، فضلاً عن أن تكون هذه النقاشات مبنية على الأسس الصحيحة والمصادر الموثوقة لا على أساس الأخذ من مواقع الإنترنت وأفواه من يسمّون أنفسهم بالخطباء وهم بعيدون كلّ البعد عن الخطاب الحسينيّ المعتدل والعلميّ.
هب أنّك قمت بجولة في الشارع وسألت بعض الناس لماذا خرج الإمام الحسين (عليه السلام)؟ فستتحصل على عدد غير يسير من الإجابات المختلفة، فكلٌّ يرى خروج الإمام بحسب ثقافته وفهمه للإمام، إلّا أنّك نادرًا -إن لم يكن غير موجود- ما تجد إجابة شافية ووافية عن السؤال، ويأتي هنا السؤال لماذا هذه الإجابات المتعدّدة؟ فيكون الجواب على السؤال هو غياب الوعي الحسينيّ والجانب التوعويّ للقضية الحسينية، وحتى لو كان هنا جانبًا توعويًّا فليس بالمستوى المطلوب، لماذا؟ لأنّ العالم اليوم بدأ يؤمن بالماديات والطرق العلمية لتفسير كلّ الظواهر والأحداث التاريخية، فضلاً عن أنّ الجيل الجديد أصبح جيلاً يسأل ويبحث ويحاول أن يستكشف عن كلّ شيء حتى عن المسلَّمات، فلا بدّ من أن تكون التوعية الحسينية على قدر هذه التوجّهات، وعلى قدر هذا التطوّر السريع والمخيف في الواقع، فإن لم تكن هناك توعية حقيقية وبحجم التطور الحاصل اليوم فسيُنسى الحسين (عليه السلام) كثائر، ولكنه لن يُنسى بأنّه رجل يجب أن يُبكي عليه لأنه قُتل.
ثقافة اليوم تصوّر الحسين على أنه مظلوم، مقهور، مقتول، مسلوب، وكلها كلمات تحاكي مشاعر الناس لا عقولهم، في حين أنّ الأولى أن نصور الحسين الثائر، الصامد، المصلح، القائد، المضحي من أجل قضيته، حتى يبدأ المقابل بالبحث والكشف عن كل صفة من هذه الصفات ليكتشف الحسين على حقيقته.
نقطة أخرى وهي عبارة عن توصية من أخ صغير إلى خطباء المنابر وهي أنكم أيها الأخوة مسؤولون أمام الله وأمام رسوله (صلى الله على وآله وسلم) وأمام الحسين (عليه السلام) فيما تطرحون من فكر على المنبر، اجعلوا منابركم منابر نور منابر فكر منابر اصلاح منابر تعرف المجتمع بحقيقة الحسين عليه السلام لا منابر بكاء فقط، عليكم بتوعية الجيل بالحسين وتعريفهم به حتى يبكون ويلطمون ويمشون ويزورون الحسين وهم عارفين من هو وكيف هو ولماذا هو.