الدينُ الإسلاميُّ دستور حياة، تعاليمهُ ربّانيّة، يُهذّب الفردَ، ويجعل منه إنسانًا قويمًا، ليتكوّن من هذا الفرد مجتمع إسلاميّ واضح المعالم، شَريطةَ التزامهِ بهذه التَّعاليم واتّباعهِ لهذا الدستور، وقد نَشأنا وتَعلمنَا أنَّ الإسلامَ دينُ اللهِ، وتربينا على أصولهِ وفروعهِ، وأنَّ المسلمين إخوة {أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ} [الفتح:٢٩]، فترسّخت في دمائنا التربية الإسلامية الحقّة، وصرنا على أثرها مسلمين، نعيش في مجتمع يجب أن يكون مسلمًا!!؛ لأنّه تربى على هذا الأساس، ومن الأمور المهمّة التي حثّنا عليها الدين الإسلامي؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أمر في غاية الأهمية؛ ليستقيم المجتمع، وتنتشر روح الإسلام السامية، التي أرادها الله ورسوله (صلى اللهُ عليه وآله).
في الحقيقة - وبعد مرور السنين والأيّام - وجدنا أنّ الأمر مُغاير تمامًا، فعندما تُريد تطبيق هذه التعاليم تُتهم بشتّى أنواع التهم، ويجعلون منك منحرفًا!! فعندما تنهى أحدًا عن فعل شيءٍ خاطئ يخالف تعاليم ديننا الإسلامي يُجابهك بقول: "صاير متدين براسي"، وعندما تريد نصيحته يقول: "أنت وين عايش" أو "ليش أنت متخلف" أو "شجاي تحچي" !!!… حتى أصبح الناهي عن المنكر والآمر بالمعروف غريبًا في مجتمع يجب أن يكون مسلمًا!!، ولكن بعد التحري والقراءة تبيّن أنّ هذا الشيء ليس جديدًا على بني البشر، فقد كان لهم مواقف مشابهة لهذا الأمر؛ قد تعرّض لها الأنبياء والصالحون، ومنهم نبي الله لوط (عليه السلام) الذي كان ينصح قومه مرارًا لترك الفاحشة والرجوع إلى الله تعالى، فلم يسمعوا له، وعارضوه، وضيّقوا عليه الخناق، مُصرّين على ما هم عليه، ومستكبرين على أوامر الله ونواهيه، حتى وصل بهم الحال أن يُجيبوا لوطًا (عليه السلام) بقولهم: {أَخۡرِجُوٓاْ ءَالَ لُوطٖ مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: ٥٦] تمعّن جيدًا - عزيزي القارئ – في عبارة: {إِنَّهُمۡ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} وهذه دلالة على أنّ قلوبهم زاغت، وأبصارهم عُميت، زيّن لهم الشيطان أعمالهم فأصبحوا غافلين، وكذلك ما تعرّض له نبي الله يوسف (عليه السلام) حينما عُرضت عليه الفاحشة من التي تربّى في بيتها، وعاش تحت كنفها سنين طويلة، حتّى صار شابًّا يافعًا جميلًا، فلم يتقبل معصية الله ورفضها رفضًا قاطعًا؛ خوفًا من مخالفة أوامره سبحانه {وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّلِمُونَ} [يوسف:٢٣] فأُدخلَ السجن على أثرِ هذا الرفض ظُلمًا وجورًا؛ بسبب عفّته وتجنبه الوقوع في مصائد الشيطان {وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُ لَيُسۡجَنَنَّ وَلَيَكُونٗا مِّنَ ٱلصَّغِرِينَ} [يوسف:٣٢]!!.
أجل، إنّ الطهارة تُعدّ عيبًا ونقصًا في المحيط الموبوء، وينبغي أن يُطرد آل لوط (عليه السلام) ويبعدوا خارج المدينة؛ لأنّهم يتطهرون، وأن يُلقى يوسف (عليه السلام) المتعفف في السجن، ليتمتع المخالفون بخزيهم وفاحشتهم من دون حرج!، إنّها المعادلة ذات الاتجاه المغاير، الكل يعرفها ويعرف عواقبها، ولكنّ خيوط إبليس توهمهم بأنّها تُلئمُ جروحهم الروحية، وهذا هو المصداق الجلي لكلام القرآن الكريم في الضالين، إذ يقول: { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم} [البقرة: ٧] بسبب أعمالهم السيئة والمخزية.