البحث المتقدم

البحث المتقدم

اجتماع الباطل وإقصاء الحق بين السقيفة والسياسة المعاصرة

2 تقييم المقال

 

شهد التاريخ الإسلامي لحظات مصيرية شكلت ملامح الأمة ومستقبلها، لعل أبرزها اجتماع القوم في السقيفة بعد وفاة النبي محمد (ص)، ليقرروا مصير الأمة بعيداً عن النصوص الإلهية والوصايا النبوية التي نصت صراحة على خلافة الإمام علي (عليه السلام)، لم يكن المجتمعون في السقيفة يجهلون مكانة الإمام علي (عليه السلام) ولا يخفى عليهم علمه وشجاعته وزهده وعدله، بل كانوا يدركون كل ذلك، ولهذا تحديداً اجتمعوا لإقصائه، لم يكن الأمر متعلقاً بجهلهم بالحق، بل بخوفهم من أن هذا الحق سيهدد مصالحهم، ويهدم قواعد نفوذهم التي شيدوها على أسس قبلية وسياسية ضيقة.

تكرر هذا المشهد التاريخي بشكل مختلف عبر الزمن، واليوم نشهد في عالم السياسة الدولية ممارسات مماثلة، حيث يتم إنتاج قوى وحركات متطرفة عبر غرف مغلقة وتحت إدارة القوى الكبرى، ويتم التلاعب بمصير الشعوب وقضيتها العادلة، تماماً كما حدث مع شخصية أحمد الشرع الملقب بالجولاني، والذي كان مصنفاً إرهابياً لسنوات طويلة، واليوم يتم تلميعه والتفاوض معه من قبل قوى كبرى كانت تحاربه بالأمس. هذه الصورة وإن اختلفت تفاصيلها، إلا أن خلفياتها الفكرية والسياسية تتشابه إلى حد كبير مع ما جرى للإمام على (ع) والإمام الحسين (ع).

القاسم المشترك بين تلك الأحداث هو محورية إقصاء أهل الحق وأصحاب المشروع الإصلاحي، وتحالف الخصوم، مهما اختلفت عناوينهم ومشاربهم، لتحقيق مصالح سياسية آنية على حساب المبادئ والقيم. كما أن تهميش القوى الشعبية الصادقة وإفساح المجال أمام قوى الباطل المتسلقة ليس إلا نتيجة طبيعية لفوضى صناعة القرار خارج إرادة الأمة.

إن الحكمة من هذا التكرار عبر العصور تكمن في تحذير الأجيال من خطورة الصمت أمام مشاريع الباطل عندما تلبس ثوب المصلحة الوطنية أو العناوين الدينية. كما أن اجتماع الباطل على أهل الحق هو سنة تاريخية كما وصفها القرآن الكريم في قوله تعالى:
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) الأنعام. 112

ولم يكن استهداف الإمام علي (ع) والحسين (ع) إلا استمراراً لمشروع تهميش المصلحين ومحاربتهم سياسياً واجتماعياً وحتى إعلامياً، وهي نفس الأدوات التي نشهدها اليوم في الحرب الناعمة والسياسات الإعلامية المضللة التي تخلق أبطالاً من ورق، وتمسح صورة أصحاب الحق المنادين لنصرة المظلومين والتمهيد لدولة العدل الإلهي بظهور الأمام المهدي عج.

وفي الختام، يجب أن نتعلم من التاريخ أن مشاريع الباطل، مهما طالت، مصيرها إلى الزوال، وأن محاولات تحالف الأضداد ضد أهل الحق تظل علامة ضعف في صفوفهم أكثر مما هي قوة يقول تعالى:
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) الأنبياء: 18

 ويجب ألا ننخدع بالتلميع الإعلامي، ففي عصر فتنة الدجال حيث يتم تدوير الأدوار والأقنعة حسب المصالح والغايات الكبرى لإضعاف الشعوب وجعلها تقبل بما كان يرفض في الأمس، وكمال قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس! لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويلنهج البلاغة: 442، الخطبة 199)

نعم
هل اعجبك المقال
مواضيع اخرى للناشر