البحث المتقدم

البحث المتقدم

٢٦ جمادى الأولى ١٤٤٧

متحف (الحسون ) شاهد أثري وتاريخي في مدينة البصرة

تعكس التحف والمقتنيات التراثية صورة جلية لتاريخ المدن نظراً لما تشكّله من أثر في عكس حاضر وماضي هذه المدن وشعوبها ، ولعلَّ تراكم الزمن هو ما يعطي القيمة الخاصة لهذه المقتنيات وأثرها وثقلها نظراً لقيمتها التراثية والتاريخية والفلكلورية المعنوية والمرتبطة بالذاكرة الجمعية للمدن وإعادة النظر بالتاريخ المنسي والذي دائماً ما تستحضره الأجيال وتشير إليه في أغلب أدبياتها وشواهدها. وعليه فقد برزت توجّهات وهوايات واهتمامات لها علاقة بالاحتفاظ بالمقتنيات والآثار والنفائس التاريخية، وإنْ كانت على المستوى الشخصي ، فاحتضنت البيوت والمنازل هذه المرة هذه المحفوظات والكنوز والنفائس والآثار وأودعتها في القاعات الخاصة، واسمتها باسمها، ولا عجب أن فاقت هذه الأسماء بقيمتها وموروثاتها المتاحف الرسمية والحكومية ، والشواهد هنا كثيرة وبائنة . وقد يكون هذا الحرص التاريخي نابعاً من حُبِّ الشعوب للتاريخ والتراث والوثيقة، والحنين إلى الماضي الذي دائماً ما تستحضره الأجيال وتحِنُّ إليه، وقد يكون لهذه المتاحف الخاصة شأن كبير وعناية تحظى بها المؤسسات والمنظمات الرسمية وغير الرسمية، ويتوجه إليها الطلبة والدَّارسون والباحثون؛ طلباً للعلم والمعرفة والاستزادة، الأمر الذي ينقلها من دائرة العرض إلى دائرة تعزيز المنفعة الثقافية وترصين الأدوار الفكرية وتعزيز الرسالة المهنية، وبذلك تستحق أن تكون إحدى المعالم الثقافية التي تتشارك وغيرها من المرافق الفكرية والتي تعكس هوية المدن والبلدان.

كما أنَّ ما يثلج الصدر أن تجد أنَّ أصحاب هذه المتاحف الخاصة يمتلكون ثقافة في هذا المجال تفوق أحياناً ثقافة العاملين بالمتاحف والمباني التراثية والتاريخية فهم يعرفون الأدوار والحقب والعصور التي كان فيها ذلك الأثر أو تلك العدة ويعرفون – أيضاً- كيفية المحافظة عليه وصيانته وانتشاله من تقادم الزمن، مشيرين هنا إلى ضرورة زج أمثال هؤلاء بدورات خاصة عن كيفية المحافظة على الوثيقة التاريخية والعناية بها وصيانتها من التلف والضياع . التقينا مدير متحف الحسون جناب الأستاذ (صادق الحسون) ، وهو عاكف على ترميم صورة تراثية ، وظّف فيها مجموعة من البصمات مثل : اللؤلؤ الصناعي والخرز والالوان التي أضافها ، بما تتناسب واللوحة التي وجدنا فيها ذوقا وجمالاً وفنّاً ، يعكس مدى ما يتمتع به من حسٍّ وانتماءٍ إلى عمله . وسألناه : كيف جاءت فكرة تأسيس هذا المتحف ؟ - بفضل الله وبعد الصلاة على محمد وآله الأطهار (عليهم السلام ).

أقول : إنَّ البصرة (تستاهل) ، فهي مدينة قديمة ، وحاضرة حيّة يكفيها أن تشرفت بمقدم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) بعدما حلَّ بها ، فهو شرف ما بعده شرف يسجل على تاريخ وأديم هذه المدينة التاريخية المعطاء مدينة النخل والنهر والهور ، مدينة الشِعر والجمال والشناشيل .. . هذا المتحف الذي ترون أطلقت عليه ( متحف الحسون ) بدايته كانت نتيجة هواية وشغف وحب لجمع الانتيكات والمحفوظات والأثريات القديمة التي أعني بجمعها واحتفظ بها منذ صغري ، ولكن منذ بداية الثمانينات نشطت فكرة أن يكون لهذه الموروثات مكان يحفظها ويضم موجوداتها ، كنت أتابع المبيعات والأسواق التي تعنى بهذه الموروثات ، ولا أخفيكم إنَّ الهواية هذه شجعتني، وبعدما جمعت الكثير من النوادر لأن افتح محلاً خاصّاً بها ، فحرصت على أن أجمع بين هذا الحب للأثريات والتجارة ، بعدما افتتحت محلّين في شارع السعدي أسميتهما (دار الانتيكات) .

وتطورت مشترياتي ومقتنياتي حتى زادت عن أن يستوعبها محل أو اثنين ، ففكرت أن أشرك أهل البصرة والهواة والمهتمين والمعنيين بهذه الهواية ، وأنا أعرف الكثير منهم ، لاسيما والبصريين محبّون لهذا النوع من التجارة والمعروضات ، فلطالما يزورون محلي ويسألونني بفضول وشغف عن اسم هذه اللوحة أو التحفة أو القطعة الاثرية .. وهو ما شجَّعني كما قلت، لأجعل من هذا المشروع مشروعاً عامّا لا يتحدد بشغفي وهوايتي وحبي للقديم والموروث. أشاروا اليّ بعض الاخوة من أن اتوجه إلى جهات رسمية معنية بهذا الأمر، وفعلا توجهت إلى إدارة القصر الثقافي في البصرة ، ويومها كان مديره الأستاذ عبد الحق المظفر ، وبعدما طرحت عليه الفكرة رحب بها أيَّما ترحيب ، وشجعني عليها ، وحرص على أن تكون هذه المقتنيات من ضمن أمانة ومحفوظات القصر. لا سيما والامر يصب في محور توجهات القصر الثقافية والتاريخية والفلكلورية ..لا اخفيك انَّ الرجل شجعني وأشاد بدوري ، وأفرد إليّ جناحاً خاصّاً بالمعروضات التي امتلك ، ولله الحمد تأسست البذرة الأولى لهذا المتحف في العام 2012م، وهو من ضمن أعمال قصر الثقافة والفنون في البصرة . وهل كان الجناح مسمى باسم متحف الحسون ؟ لا ، كان جناحاً تابعاً للقصر ، ومعنياً بتوجهات ومحفوظات القصر الثقافي ، ولا أخفيك من انني وسعت قاعدة هذا المشروع لانفتح على تحف ومقتنيات ومحفوظات كثيرة ، وتوسعت هذه المشتريات بالفعل ؛ لذا فكرت في العام2016م، أن أخرج من قصر الثقافة والفنون في البصرة ، إلى مكان آخر . ولكنني عزمت على أن يتناسب هذا المتحف وطبيعة البصرة التراثية والتاريخية من جانب الموقع والمكان ، ولا اخفيك من أنَّ منطقة نظران في البصرة القديمة ، والتي تحيطها القصور التراثية ، والمؤسسات الثقافية والفنية والتراثية كانت خير من يحتضن هذا المتحف ، وهي المنطقة التي تعرف بمنطقة الشناشيل ، إذا ما عرفنا أنه يتواجد فيها قصور أعيان وشيوخ وشخصيات مدينة البصرة القديمة ، ويزورها تباعاً المعنيون والمختصون بالتراث والتاريخ والثقافة ، فضلاً عن الوفود التي تأتيها من داخل العراق وخارجه ، وأن عمرها الزمني يجعلها مكاناً أثرياً تاريخيّاً ، وأن عمرها يزيد على أكثر من( 150) عاماً . وفعلاً تأسس هذا المتحف وبفضل الله تعالى . يحتوي المتحف على انتيكات ومستخدمات بصرية وعراقية قديمة وهي أكثر من التحف التاريخية، وعن أبرز محفوظات هذا المتحف يقول الأستاذ صادق الحسون : احتفظ المتحف بأغلب المحفوظات التي شاع استخدامها في مدينة البصرة والعراق ، مثل : السيوف وأنواعها ، والبنادق والدروع ، والخزانات الخشبية ، والمفروشات، والعدد والآلات البحرية ، والطاولات .. وبأنواع الخشب النفيس كافة . أما عن أنواع السيوف فيضم المتحف سيوفا اسلامية ورومانية وانكليزية وروسية وقيصرية واغريقية .. ولكلٍّ منها نوع يختلف عن الآخر ، ولعل هذا القياس يتناسب والبنية المعروفة عن هذه الشعوب.

وهناك مكان للسيف العربي المعقوف ، وسيوف من النوع المعروف ب اسد الله الدمشقي ، والسيوف الرومانية والاغريقية ، وجميعها مختومة، وتدل على المنشأ والمكان والصناعة ، وسيوف من نوع اسد الله القاجاري ، وهو صانع سيوف معروفة تاريخيا ، وسيوف قتالية واستعراضية تستخدم للزينة والمظاهر البروتوكولية ، وسيوف تترية مصنوعة من حديد الجوهر ، وهو نوع من الحديد الذي يعزز به السيف على شكل مجموعة قطع ، وعليه لم تؤثر على هذا السيف العوامل الطبيعية من الرطوبة والصدأ ، وسيوف مصنوعة من النيازك المتساقطة ، وهي تحمل مواصفات خاصة . وهناك الحراب بأنواعها ، وحراب البنادق الملحقة بها ، مختومة بالختم العثماني ، فضلاً عن أنواع البنادق الفرنسية بأنواعها ، وبنادق البرنو والموزر وأم عبية والطرمة والجكجك ، وبنادق الشرطة العثمانية والفرنسية ، والدروع والصدريات والواقيات الاسلامية والمغولية المرصعة والمنزلة بالفضة والبرونز والفولاذ . ويضيف الحسون : للأسف لم أعن بجمع المراكب الشراعية القديمة ، لأنها تحتاج إلى مكان أكبر وأوسع مما ترون ، وهنا أقول : إنَّ هذا المكان لا يسع كمية التحف والمحفوظات التي أخزنها ، والتي احتفظ بها في مكان آخر ، وهي تحتاج إلى ما يعادل هذا المكان بمرات ومرات .

وعن بقية المحفوظات التي ضمها المتحف قال الأستاذ الحسون : هناك قسم خاص بعدد وادوات وآلات الصيد القديمة ، وجناح للصور القديمة لأبرز شخصيات البصرة من أمثال الشيخ خزعل ، والسيد طالب النقيب ، وأسرة السيد عبد العباس باشا اعيان العباسي ، وصور لأغلب شخصيات البصرة والعراق تتوزع على مساحة المتحف . فضلا عن المقهى التراثي والذي يشمل كل ما هو قديم وفلكلوري ، من الجلسات والمقاعد والارائك والطاولات والمشاجب والمستخدمات والاقداح والصحون والملاعق .. هل حصلتم على مخطوطات ، نسأل هذا السؤال وهو من صلب توجهاتنا كمركز يعنى بالتراث البصري ؟ لا أخفيك من أنني حصلت عليها ، ولكنني تنازلت عنها وعن الكتب الاخرى، هذه الامور تحتاج إلى عناية خاصة وأمانة استثنائية ، وقد يكون لذوي الاختصاص شأن آخر بها ، كما أنني أهديت الكثير من الكتب القيمة إلى من يعتني بها ، من الكتاب والقراء ، ولم يكن للكتب مكانا في هذا المتحف وللأسف ، على الرغم من أنني اشعر إنها تؤلف ركناً اساسياً فيه . هل يحظى هذا المتحف بزيارات الوفود والسياح ؟ زارتني وفود عراقية من محافظاتنا العزيزة ، ووفود عربية وعالمية ، ولكن اكثر الوفود التي بقيت وحلت في هذا المكان كانت الوفود العربية والخليجية التي حضرت الكرنفال الرياضي في خليجي 25 ، وما زالت الوفود التي تزور البصرة تحط رحالها في هذا المتحف ولله الحمد . وهل هناك زيارات لمنظمات ومؤسسات عالمية او محلية ؟ نعم ، زارتني يوماً ما وكالة الامم المتحدة للهجرة ، واطلعت على المكان ، وأعجبت بالفكرة ، أما عن جهات عراقية معنية بالتراث والتاريخ والموروث ، فلم أجد مثل هذه الزيارات ، باستثناء بعض الزيارات التي يقوم بها طلبة من جامعة البصرة.

مركز تراث البصرة 

مواضيع ذات صلة