مع تزايد الاستهلاك العالمي للطاقة تبعًا لتزايد أعداد البشر، وتطور الحياة وتقدّمها، أصبحت الحياة بشكل عام استهلاكية غير إنتاجية، وأصبح الاعتماد على الوقود الأحفوري مثل: الفحم، والنفط، والغاز الطبيعي، يشكل تهديدًا كبيرًا للبيئة والصحة العامة؛ لما يلاصق هذه الطاقة من انبعاثات سامة مؤذية للبيئة والبشر على حدًّ سواء.
من هنا، ظهرت الحاجة الماسّة للبحث عن مصادر طاقة بديلة نظيفة ومستدامة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، والطاقة الحيوية، لا سيما أنّ الطاقة الأحفورية مهدّدة بالنفاد في يومٍ ما، فقد أشارت التقارير أن النفط سوف ينتهي من على سطح الأرض بعد ما يقارب (38 سنة)[1] وأكثر من (146 يوم) لنفاد الفحم، وقريب الـــ (55 ألف يوم) لنفاد الغاز الطبيعي من على وجه الأرض، وهذه من أبرز الأسباب الملحة للاعتماد على الطاقة المتجددة والمستدامة.
كذلك ارتفاع انبعاث غاز ثاني أكسيد الكاربون لهذا العام حتى وصل إلى أكثر من (30 مليار طن)[2] في الجو، وعليه زادت معه المواد الكيميائية السامة المنبعثة في البيئة لتصل إلى ما يقارب (7 ونصف مليون طن)[3] في هذا العام، وهذه من الأسباب الصحية للبحث عن بدائل للوقود الأحفوري، فمشاكل التلوث البيئي بدأ تطفوا على السطح بشكل حادٍّ ومؤثر، وبرزت معها أهمية المحافظة على البيئة، وعلى سلامة الإنسان، ولا ننسى ارتفاع تكاليف استيراد الوقود الأحفوري لبعض الدول فهي من العوائق الاقتصادية البارزة فضلًا عن تكاليف الاستخراج.
لذا ومنذ زمن خططت أغلب الدول العالمية والمتطور منها آلية الاعتماد على الطاقة البديلة والمستدامة والاستفادة من طاقة الشمس وتحويلها إلى طاقة كهرباء عبر الألواح الشمسية، واستغلال حركة الرياح عبر التوربينات لتوليد الكهرباء، فضلًا عن الطاقة المائية عبر حركة المياه في الأنهار والسدود، والطاقة الحيوية من استعمال النفايات الزراعية والحيوانية وبعض النباتات لإنتاج الوقود حتى وصلت في هذا العام كمية استعمال الطاقة المتجددة في العالم إلى أكثر من (24 مليون ميجا وات/ ساعة)[4] وهو ما قد يعالج سلبيات الطاقة غير المتجددة ويحدّ من خطورتها.
وعلى الصعيد المحلي حرصت العتبة العباسية على التوجه للاستفادة من الطاقة المتجددة في مشاريعها المختلفة بغية تقليل الضغط على منظومة الكهرباء الوطنية وتحسين الواقع البيئي؛ إذ أدخلت منظومة طاقة شمسية ليُعتمد عليها في مشاريعها الجارية والمستقبلية، فمجمع العميد التعليمي العائد للعتبة العباسية مثالًا عمليًا لتطبيق الطاقة المتجددة؛ إذ وفّرت ما يحتاجه المجمّع من طاقة ولا سيّما المنظومات الحرجة، من دون الحاجة إلى المولّدات الكهربائية، ممّا قلّل الضغط على منظومة الكهرباء الوطنية، وعزّز من تقليل الانبعاثات الضارة وتحسين الواقع البيئي.
كذلك يوجد في المجمع الذي يتكون من ثمان بنايات منظومات ذات أحمال حرجة، تستدعي وجود طاقةٍ مستمرة مثل منظومة الكاميرات والإنذار والحريق ومضخات المياه العذبة والثقيلة وغيرها؛ إذ كان الاعتماد في السابق على المولدات التي توفّر ما تحتاجه تلك المنظومات من طاقة.
وبعد نجاح منظومات الطاقة البديلة في جامعة الكفيل، ارتأت العتبة المقدسة تكرار التجربة مع مؤسّساتها التعليمية الأُخرى، بتنفيذ منظومةٍ ضخمة للطاقة الشمسية في مجمع العميد التعليمي في كربلاء.
هذا وقد تمّ فرش أرضية أسطح البنايات بسبع طبقات من اللون الأبيض، لرفع إنتاجية الخلايا الشمسية وتقليل الضغط عن بطارياتها، فضلاً عن حماية أرضية المجمع وعدم الحاجة إلى صيانتها لمدّة تتراوح من 15 – 25 سنة.
إنّ التحول نحو الطاقة المتجددة ليس خيارًا بل ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة للأجيال القادمة، والاستثمار في هذه المصادر النظيفة يساهم في تقليل التلوث، وتوفير طاقة مستدامة، ودعم الاقتصاد الوطني، مع الحفاظ على صحة المجتمع وكوكب الأرض، وعليه ينبغي على الحكومات والمؤسسات تعزيز استعمال الطاقة المتجددة وتسهيل تطبيقها على نطاق واسع.
[1] World Proved Reserves of Oil and Natural Gas, Most Recent Estimates - Energy Information Administration (EIA) - Data from BP Statistical Review, Oil & Gas Journal, World Oil, BP Statistical Review, CEDIGAZ, and Oil & Gas Journal."
[2] إحصاءات وكالة الطاقة الدولية (IEA)
[3] برنامج الأمم المتحدة للبيئة
[4] Renewables Global Status Report - REN21