واتضح للسيد الحكيم أن العمل الميداني الحاسم، والضربات الموجعة التي من الممكن أن توجهها المرجعية إلى الحكام يجب أن تكون داخل العاصمة بغداد التي يجب التركيز عليها، فأوعز إلى ولده الأكبر الكفوء السيد محمد مهدي الحكيم للانتقال إلى الكاظمية، ليعمل على تنشيط دور (جماعة علماء بغداد)، ويعطي دفعة جديدة للتيار الإسلامي الناهض.
وقرر السيد الحكيم القيام بجولة في كربلاء المقدسة، والمسيب، وبغداد، والكاظمية، وسامراء، نزل خلالها في بعض الجوامع والحسينيات والبيوت، والتقى مع أبتاعه ومحبيه في تجمعات حاشدة، وتبرع فيها الآلاف من المواطنين والتجار والمريدين لإقامة الولائم وتأجير السيارات للراغبين باستقبال موكب المرجعية وتوديعه. ودامت الرحلة حوالي أربعة أسابيع، وخرجت جماهير غفيرة بمسيرات احتفالية تخللتها "الهوسات" والأهازيج، وأقيمت مظاهر الزينة ونحرت الذبائح، ترحيباً وتوديعاً في كل منطقة يمر بها موكبه. وخلالها افتتح السيد الحكيم بنفسه جامع (براثا) في العطيفية بجانب الكرخ من العاصمة، و(حسينية التميمي) في منطقة الكرادة، وجامع في مدينة الثورة (مدينة الصد حالياً).
وفشلت محاولات الشرطة والأمن إعاقة تنقل الجماهير بين الأرياف والمدن التي هدفت رفد موكب السيد الحكيم ومسايرته ومبايعته. وكانت الغاية من التحرك إظهار سخط المرجعية وعدم رضاها عن الحكم الجديد، وأن يرى النظام الحاكم وأعوان البعث القوة الشعبية التي تتمتع بها المرجعية الدينية. وهيأت جولة السيد الحكيم الأجواء للمعارضة، وأعطت الضوء الأخضر لكل من يريد ان يحتج ويتظاهر ضد حملات الاعتقالات والتعذيب. ورفض الحكيم اللقاء شخصياً مع القيادات الحزبية والمسؤولين السياسيين، وأحالهم إلى ولده مهدي الحكيم ووكلائه، بوصفه نوعاً من الاحتجاج على سياستهم الخرقاء. وعلق أحد المراقبين: "إن سفر الإمام الحكيم إلى العتبات المقدسة أطاحت بنظام البعث وحرسه القومي من دون أن يقحم نفسه في مواجهة دموية، فالرجل يعارض كل المعارضة سفك الدماء وتمزيق لحمة المجتمع، فهو يتمتع برصانة عقل، وشعلة إيمان". انتهى
المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3 ص 225