البحث المتقدم

البحث المتقدم

١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦

برج ومئذنة الساعة في العتبة العباسية.. ارقام ومشاهدات تاريخية

تقرير: أحمد فاضل

يوجد في باب قبلة الامام العباس عليه السلام بمدينة كربلاء المقدسة، برج يدعى "مئذنة الساعة"، يمثل صرحا معماريا وتاريخيا حافظت عليه اجيال الخدمة في العتبة العباسية رغم ما مر به من اضرار كبيرة.

يرجع تاريخ هذه المئذنة الشهيرة إلى عام (1311هـ - 1890م) حيث شيُّدت من قبل  الحاج أمين السلطان وأشرف على نصبها السيد قطب، كما توجد مثيلاتها في بناية القشلة (منطقة الحيدر خانة) في بغدادـ وساعة الروضة الكاظمية المقدسة.     

شكلها وامتدادها التاريخي: 

يستيقظ أهالي مدينة كربلاء المقدسة الذين يسكنون بالقرب من العتبتين المقدستين على دقاتها  القوية، ويوقِّت الناسُ ساعاتهم على حركات عقاربها،  حيث امتازت هذه الساعة بضخامتها و فخامتها إضافة إلى قدمها وجمالها، فقد تحولت خلال ما يقرب من نصف قرن من تاريخها إلى جزء من هوية المدينة ودخلت في نسيجها الاجتماعي، كونها نادرة وذات  مسحة آثارية.

مظهرها الخارجي يأخذ قمته شكل قبة مذهبة تحتوي في باطنها على أجراس ضخمة عددها ثلاثة، تسمع دقّاتها كل ربع ساعة، وتقوم هذه القبة على أعمدة مذهّبة تشكل فيما بينها ما يشبه الأواوين المقوّسة وعددها ثمانية، تستند هذه الأعمدة على مساحة مربعة تمثل سقف الغرفة الرئيسة للساعة التي تحتوي على ماكنتها.

ارتبط مصير هذه الساعة بمصير الروضة العباسية المقدسة  فعندما  تعرضت الروضة المطهرة إلى القصف في العهد العثماني تعرضت الساعة هي الأخرى أيضا للأضرار نتيجة القصف المعادي لتراث أهل البيت -عليهم السلام- مما أدى إلى تعطلها عن العمل.

وكان هذا الاعتداء العثماني بحادثة نجيب باشا في كربلاء عام (1258هـ/1842م) حينما انتفضت هذه المدينة على السياسة العثمانية الجائرة المستبدة فحاصرها نجيب باشا الذي عرف بحبه لسفك الدماء لإخضاعها فقصفها بالمدافع وقطع النخيل وأغار المياه حتى استطاع دخولها بجيشه فاستباحها قتلاً ونهباً وتدميراً حتى اصطبغت أرضها بالدماء، وكل ذلك لان السلطة العثمانية كانت تفرض الضرائب بمبالغ كبيرة والتي قدرت بـ (35,000) قران إيراني في كل سنة.

اما الاعتداء الثاني على برج مئذنة الساعة كان خلال الانتفاضة الشعبانية عام 1991م-1411هـ، حيث أصيبت القبة الطاهرة بقذيفة مدفع ثقيل، وأصيب برج الساعة من جراء ذلك القصف الغادر للنظام البعثي الجبان.

اعمال الاعمار التي حدثت لها:

ادّى القصف إلى تعرض مئذنة وبرج الساعة، من أزلامُ النظام المقبول الى تعطل أجهزتها، فضلا عن أضرارٍ جسيمة لحقت بها، وفقدت الكثير من أجزائها، وقد أُجريت لها العديدُ من أعمال الصيانة لكنها لم تعُدْ الى سابق عهدها.

وبعد عام 2003 بسنوات قليلة حدثت أولى مراحل الاعمار من قبل ملاكات العتبة العباسية المقدسة، إذ بدأت برفع الهيكل القديم من غير إحداث أيّ أضرار فيه، ونصبه على قطعٍ حديديةٍ خاصّة جُسِرَت فوق الباب، وذلك من أجل الحفاظ على هيكلها وشكلها العام.

ويتميز شكل برج المئذنة، بأنه عبرة عن برجٍ مربّع القاعدة تعلوه قبّةٌ صغيرة صُمّمَت على شكل قلنسوة بهيأة الخوذة الحربية، وتستند على قاعدةٍ حديديةٍ مترابطة مربعةِ الشكل أيضاً.

برجُ الساعة الجديد يعتبر مشابهاً للبرج القديم وفي نفس الموقع وبنفس المواصفات والأبعاد، مع وجود بعض التغييرات البسيطة على الإطار الخارجي للساعة وذلك عن طريق استخدام الكاشي الكربلائي.

وجرت عدة  أعمال للشكل الخارجي، منها: إزاله التغليف القديم للبرج (الألمنيوم المحيط بالهيكل الحديدي للبرج) وتغليفه من الخارج بـ(الهارب) المغلون ويُركّب على هيكلٍ حديديّ للتقوية، لتتمّ بعدها أعمال تغليف (الهارب) بمواد إسمنتية وأخرى مانعة للرطوبة لتجعلها بأجمعها ككتلةٍ واحدة، ليتمّ بعدها التغليفُ بالكاشي الكربلائي المذهّب ومن نفس نوع وشكل الكاشي الموجود في العتبة المقدّسة لخلق حالةٍ من التناظر وتوحيد الشكل.

أمّا ما يخصّ قاعدة البرج فهي عبارة عن هيكلٍ حديديّ يُغلّف بمواد خاصة ذات أشكال وقياسات معينيّة على أن يُطلى هذا الهيكل بطلاءٍ يمتاز بمقاومته للرطوبة والظروف الجوية مع تزويده ببابٍ من أجل الدخول والصعود الى أعلى برج الساعة.

 

أمّا تاج مئذنة برج الساعة فهي تأتي مكمّلةً للبرج وقاعدته، لكنّها مغلفة بصفائح مذهّبة سُمْك الواحدة (2ملم) واستُخدِمت فيها تقنيةُ الطرق على جلد الغزال بوزن (250غم) لكلّ مترٍ مربّع، تُثبّت بطريقةٍ خاصّة على تاج مئذنة برج الساعة.

تفاصيل الساعة ومميّزاتها:

الساعة الشهيرة التي تعلو المئذنة في باب قبلة الامام العباس عليه السلام، جرى تركيب جهاتها الاربع في مرحلة الاعمار الحديث، تم باشراف قبل مندوب الشركة الالمانية المصنّعة (PERROT) وبحسب العقد الموقّع معها.

وجاءت تلك الجهود بعد أن شهدت العتبةُ العباسية المقدّسة طفرةً نوعية في إقامتها لمشروع توسعتها الأفقية، فضلاً عن توسعة أبوابها ومن ضمنها باب القبلة الذي يعتليه برجُ الساعة، وُضِعَ في عين الاعتبار مشروعُ برج الساعة فتمّ تخصيصُ مشروعٍ منفردٍ به.

وجرى وفق المشروع مراعاة مجموعة أمور من الناحية الفنّية، حيث إنّها مزوّدة بنظام (GPS)، بالإضافة الى الإنارة ونظام صوتيات مزوّد بأربع سمّاعات، ونظام إنارة خاص بالعقارب والأرقام ومحرّك ثنائيّ العجلات مصنوع من حديد الصلب، وإنّ زوج عقاربها مطعّمة بالذهب عند الحافات، وأمور تتعلّق بدقّة الوقت، كذلك من ناحية التصميم فإنّ تصميمها هو شبيه بالساعة القديمة لخلق حالةٍ من الارتباط بين الماضي والحاضر.

من اين جاءت فكرة الربط ماضي وحاضر المئذنة ؟

يقول رئيسُ قسم المشاريع الهندسية في العتبة العباسيّة المقدّسة المهندس ضياء مجيد الصائغ، إن برجُ الساعة الجديد مشابهٌ للبرج القديم وفي نفس الموقع وبنفس المواصفات والأبعاد، لافتا الى وجود بعض التغييرات البسيطة على الإطار الخارجي للساعة.

واضاف الصائغ، في حديث لـ "موقع مؤسسة الوافي للتوثيق والدراسات"، أن المشروع مر بأعمال عديدة منها، إزالة التغليف القديم للبرج (الألمنيوم المحيط بالهيكل الحديدي للبرج)، وتغليفه من الخارج بـ(الهارب) المغلون، ورُكّب عليه هيكلٌ حديديّ للتقوية، لتتمّ بعدها أعمال تغليف (الهارب) بموادّ إسمنتية وأخرى مانعة للرطوبة لتجعلها بأجمعها ككتلةٍ واحدة، بعدها بوشر التغليفُ بالكاشي الكربلائيّ المذهّب ومن نفس نوع وشكل الكاشي الموجود في العتبة المقدّسة لخلق حالةٍ من التناظر وتوحيد الشكل .

.

وبشأن قاعدة البرج، اوضح أنه عبارة عن هيكلٍ حديديّ غُلّف بموادّ خاصّة ذات أشكال وقياسات معينيّة طُلِيت بطلاءٍ يمتاز بمقاومته للرطوبة والظروف الجوّية مع تزويده ببابٍ من أجل الدخول والصعود الى أعلى برج الساعة.

 أمّا تاج مئذنة برج الساعة - والكلام للصائغ، فهي تأتي مكمّلةً للبرج وقاعدته، لكنّها غُلّفت بصفائح مذهّبة سُمْك الواحدة (2ملم)، مشيرا الى أنه استُخدِمت فيها تقنيةُ الطرق على جلد الغزال بوزن (250غم) لكلّ مترٍ مربّع، تُثبّت بطريقةٍ خاصّة على تاج مئذنة برج الساعة.

وفي السياق، يصف الكاتب الكربلائي، علي الخباز في احدى مقالاته، هذا الصرح بقوله، إنها "ساعة تاريخية ولها ألفة روحية مع قلب كل من سكن كربلاء".

ويستذكر الخباز مشاهده عن اعمارها قائلا إن "طريقة اشتغال آلياتها كانت صعبة بحيث تشغل الية (الكوك) على ثقل عال يمد من سطح العتبة العباسية وينزل ببطء، وعملية وصوله الى الأرض بثمانية وأربعين ساعة فيعاد رفع الثقل عالياً لينزل ببطء مسجلا بداية 48 ساعة ".

ويتابع: إنه "من النوادر التي احملها في رأسي أن احد ساعاتي كربلاء كان يواظب قربها ليل نهار لمتابعتها وادامتها وتصليحها والاشراف على جميع العمليات التي تجري لتشغيلها، ويقال انه كان يعمل دون مقابل، واشترط أن يدفن بقربها، وفعلاً رحل الى آخرته وهو يعانق ظل الساعة الدقاقة".

أرقام عن ساعة البرج :

يوضح المدير المفوض لشركة أرض القدس، المنفذة لمشروع اعمار برج الساعة في باب قبلة الامام العباس عليه السلام، المهندس حميد مجيد، انها تمتاز بمواصفات فنية كبيرة طبقتها الملاكات الهندسية منذ وضع تصاميمها.

ويشير مجيد، في حديث حول المشروع، أن قدرة السماعات الاربع للساعة (200 واط) ومزوّدة بأربع سمّاعات ذات قطر (50سم) لتكون قدرة السمع نحو (50 الى 70 واط) ولمسافة أكثر من (1000م)، مبينا أن "برج الساعة مزود بنظام إنارةٍ خاصّ بالعقارب والأرقام باللّونين الأحمر والأخضر يمكن التحكّم به حسب الحاجة".

ويكمل، أن "هذا الصرح المعماري التاريخي مزود بمحرّك ثنائيّ العجلات مصنوع من حديد الصلب، وإنّ زوج عقارب الساعة مطعّمة بالذهب عند الحافّات، بالإضافة الى جهاز حماية (يو بي أس) ذي سعة خزن (15 دقيقة)، كذلك من ناحية التصميم فهو شبيهٌ بالساعة القديمة لخلق حالةٍ من الارتباط بين الماضي والحاضر".

مواضيع ذات صلة