البحث المتقدم

البحث المتقدم

الذين تجاوزوا حدود الزمان.. أصحاب الحسين وتضحية الخلود

0 تقييم المقال

 حينما نتحدث عن كربلاء، لا نتحدث عن واقعة مرّت وانقضت، بل عن زمنٍ انفجر نوراً، وأصحابٍ غيّروا مفهوم الإنسان حين يتحوّل إلى معنى.

أصحاب الحسين (عليه السلام)، لم يكونوا مجرد رجالٍ حملوا السيوف ووقفوا بين يدي إمامهم، بل كانوا مواقفَ تمشي على الأرض، وكانت كل قطرة من دمائهم تُكتب على صفحات الدهر: أن لا حياة بلا موقف، ولا إيمان بلا تضحية.

الملفت في كربلاء أن هؤلاء الأصحاب، من أمثال حبيب بن مظاهر، وزهير بن القين، وبرير، ومسلم بن عوسجة، لم يُدفعوا إلى القتال بدافع الغضب أو العصبية، بل بدافع البصيرة. كانوا يرَون ما لا تراه العيون المجردة، كانوا يقرؤون الحسين بعيون القلب، فيفهمون أن الوقوف بين يديه ليس نهاية، بل ابتداء لحياة أخرى عنوانها الخلود.

في لحظةٍ ما، حين قال الحسين: “إني قد أذنت لكم، فاذهبوا جميعاً…”، لم يتراجعوا، بل تقدّموا أكثر. أصرّوا على أن يُكتبوا مع الحسين لا في دفتر التاريخ، بل في دفتر الله.

فما الذي جعلهم يختارون الموت؟
ليس الموت هو ما اختاروه، بل الحياة؛ حياةً صافية خالية من الذل، ملأى بالعز، وإن مرّت عبر سيوف العتاة. لقد قرأوا أن الإمام لا يطلب دماءهم عبثاً، بل ليصوغ بها قضيةً خالدة، تُبقي للحق صوته، وللمظلومين أملاً، وللثائرين دليلاً.

ولو سألنا كربلاء: لماذا ضحى هؤلاء؟
لأجابتنا: إنهم رأوا الحسين مشروعاً إلهياً، وأيقنوا أن بذلهم فيه ليس فداءً له، بل ارتقاءٌ بهم. ولذلك قال زهير: “والله لوددت أني قُتلت ثم نُشرت ثم قُتلت حتى أُقتل كذا ألف مرة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن هؤلاء الفتيان من أهل بيتك”.

الرؤية التي حملها أصحاب الحسين
إننا لا نحتاج إلى أن نُحلل الوقائع التاريخية فقط، بل أن نفهم الرؤية التي كانوا ينظرون بها. كانوا يرَون في كل قطرة دم تسقط، طريقاً يُعبد للعدل في كل زمان. كانوا يعلمون أن الحسين ليس لحظةً في الماضي، بل مشروعاً يمتد إلى آخر الظهور.

كربلاء لم تكن مسرحية استشهاد، بل دورة تثقيفية لتربية الضمير الإنساني. كان الأصحاب فيها يقدّمون دروساً في كيفية مواجهة الانحراف، وكيفية التشبث بالمبدأ ولو كلف النفس والنفيس.

في حاضرنا.. ما الذي تبقى من رؤيتهم؟
إنهم أرادوا أن يوصلوا صوت الحسين عبرنا، نحن، حملة الرسالة. أن نكون كما كانوا: شهود صدق، لا شهود صمت. فكلما سمعنا الحسين ينادي: “ألا من ناصرٍ ينصرني؟”، كان يجب أن نُجيب، لا بالسيوف فقط، بل بالكلمة، بالموقف، بالرفض، بالصبر، بالنصيحة، بالعلم، بكل ما يُعيد للإنسان كرامته.

هكذا علمونا.. أن تكون القضية الحسينية مرآةً نرى فيها واقعنا، فننصر الحق، ونخذل الباطل، ونتقدم، لا خائفين، بل معتزين بأننا ننتمي إلى مدرسة “أصحاب الحسين،

نعم
هل اعجبك المقال
مواضيع اخرى للناشر

القدوة

مواضيع ذات صلة