تُعدّ العتبة العباسية المقدسة من أبرز المؤسسات الدينية والثقافية في العراق، ولم يقتصر دورها على الجوانب الدينية فحسب، بل امتد ليشمل مختلف الميادين المجتمعية، وفي مقدّمتها قطاع التعليم العالي. فقد أدركت العتبة، ومنذ سنوات، أن بناء الإنسان وتطوير المجتمع لا يتحققان إلا من خلال دعم التعليم والمعرفة. ومن هذا المنطلق، أسهمت العتبة العباسية إسهامًا فاعلًا في تطوير البنية التحتية للجامعات، وإنشاء مؤسسات تعليمية، ودعم البحوث الأكاديمية، ورفد الطلبة بالإمكانات اللازمة لتحقيق التميز العلمي. وفي ظل التحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي في العراق، برزت جهود العتبة كنموذج للمؤسسات التي تسعى إلى النهوض بالواقع التعليمي من خلال رؤية استراتيجية تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
تولي العتبة العباسية المقدسة أهمية كبيرة لتطوير مختلف القطاعات داخل العراق، وفي مقدمتها قطاع التعليم العالي، فقد عملت على إطلاق مبادرات تهدف إلى الارتقاء بالمستوى العلمي والأكاديمي في البلاد، من أبرزها إنشاء مؤسسات تعليمية ذات جودة عالية تتماشى مع المعايير الأكاديمية الحديثة.
ويتناول هذا التقرير أبرز هذه المبادرات التعليمية للعتبة المقدسة وخطواتها الأولى لتعزيز ودعم التعليم العالي العراقي.
تأسيس هيأة التربية والتعليم العالي
أسست العتبة العباسية المقدسة عام 2016، هيأة التربية والتعليم العالي لتلبيةً الحاجة الملحة في تطوير منظومة التعليم بما ينسجم مع رؤيتها في تعزيز القيم الدينية والأخلاقية بجانب التميز العلمي.
وسعت الهيأة إلى تحقق عدد من الأهداف منها: النهوض بالتعليم والتربية وتحسين جودة التعليم، وتعزيز القيم الدينية والأخلاقية وغرس المبادئ الإسلامية وقيم المواطنة لدى الطلبة، وتنمية البحث العلمي ودعم المشاريع البحثية العلمية والتطبيقية التي تساهم في حل مشكلات المجتمع، وتقديم نموذج تعليمي يجمع بين التميز الأكاديمي والأسس الدينية.
إنشاء جامعتين أهليَّتين
أسَّست العتبة العباسية المقدسة جامعتين أهليَّتين بارزتين، هما جامعتا الكفيل في محافظة النجف الاشرف، والعميد في محافظة كربلاء المقدسة، سعياً منها للنهوض بمستوى التعليم في العراق ومواكبة التقدم السريع في مجال العلوم، وتلبية احتياجات المجتمع المتغيرة، وذلك عبر تطوير المناهج والخطط الدراسية، وتوفير الكفاءات العلمية المؤهلة، وتجهيز القاعات والمختبرات بأحدث التجهيزات، والاهتمام بالبحث العلمي، واستثمار طاقات التدريسيين والطلبة في الأبحاث والدراسات العلمية.
جامعة الكفيل

تأسست الجامعة بموجب أمر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المرقم 187 بتاريخ 1/2/2005 حيث كانت تعرف باسم (كلية الدراسات الإنسانية الجامعة)، ثم تغيّرت التسمية إلى (كلية الكفيل الجامعة) بتاريخ 10/7/2017، وبعد استكمال الخطة الإستراتيجية وإجراءات التحول إلى جامعة صدر الأمر الوزاريّ بتحويلها إلى جامعة (جامعة الكفيل) بتاريخ 10/7/2018. تضمُّ جامعة الكفيل حاليًّا ست كليات هي (كلية الطب، كلية طب الأسنان، كلية الصيدلة، كلية التقنيات الطبيّة والصحيّة، كلية الهندسة التقنيّة، وكلية القانون)، مع ذالك تمنح الجامعة شهادة البكالوريوس على وفق ضوابط التعليم العالي والبحث العلمي.
جامعة العميد:
تأسست جامعة العميد بموجب الأمر الصادر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المرقم (6519) في 19/ 09/ 2017 وفقاً لقانون تأسيس الكليات والجامعات الأهلية المرقم (13) سنة 1996 المعدل.
تتألف الجامعة من ست كليات هي: الطب، طب العيون، طب الاسنان، الصيدلة، التقنيات الصحية والطبية قسميها (عناية القلب وطب الطوارئ)، التمريض، وكلية التربية الأساسية للبنات بأقسامها الثلاثة (اللغة الإنكليزية واللغة العربية ورياض الأطفال) إضافة إلى أقسام داخلية للبنات في مجمعها الكائن في محافظة كربلاء المقدسة طريق كربلاء – نجف."
حصول جامعتي الكفيل والعميد على الاعتماد المؤسسي

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ممثلة بالمجلس العراقي للاعتماد المؤسسي في جهاز الإشراف والتقويم العلمي منحت جامعتي الكفيل والعميد، الاعتماد المؤسسي؛ وذلك لاستيفائهما معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي.
وأجرت وزارة التعليم العالي تقييمًا شاملًا لجامعتي الكفيل والعميد عن طريق زيارة فريق المقيمين الوطني، إذ شمل التقييم مراجعة البرامج الأكاديمية، والأنشطة البحثية، والهيكلة الإدارية، والبنى التحتية.
ويُعدُّ الاعتماد المؤسّسي اعترافًا حكوميًّا برسالة الجامعتين في التعليم العالي، وشهادة رسمية تؤكّد امتلاك كل جامعة مقوِّمات البنية الإدارية عَبرَ جميع اللوائح والقوانين الوزارية، وإكمالها وإتقانها للبرامج العلمية الأكاديمية، وأعضاء الهيئات الأكاديمية التدريسية، واستيفائها شروط ضمان الجودة المطلوبة، فضلًا عن جاهزية مواردها الماديّة والمالية.
دعم المجالات العلمية والتعليمية عبر المؤتمرات والندوات

سعت العتبة العباسية المقدسة، إلى تعزيز الحراك العلمي والأكاديمي داخل العراق، من خلال تنظيم سلسلة من المؤتمرات الدولية والندوات التخصصية التي أصبحت منصَّة فاعلة لتبادل الخبرات وإثراء المعرفة، بمشاركة واسعة من الباحثين والأكاديميين من مختلف الجامعات العراقية ومن خارج البلاد.
تناولت هذه المؤتمرات موضوعات متنوّعة في العلوم الطبية، والهندسية، والعلوم الصرفة، إضافةً إلى القضايا الإنسانية والدينية، بهدف تبادل الخبرات وزيادة المعرفة حول مختلف القضايا التي تهم المجتمع.
كما تنظم العتبة المقدسة ندوات علمية دورية ومحاضرات تثقيفية تهدف إلى مناقشة المستجدات في التخصصات الأكاديمية، وتوفير بيئة بحثية محفّزة ترفع من مستوى الطلبة والباحثين على حدٍّ سواء.
البنى التحتية الرقمية وخدمة البحث العلمي

عملت العتبة العباسية المقدسة على الاستفادة من التطور التقني والتكنولوجي في تطوير مشاريعها التعليمية، وتوظيف إمكاناتها لخدمة الوسط التعليمي في العراق من جامعات ومعاهد وباحثين وأكاديميين وغيرهم.
قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة المقدسة عمل عبر مركز المعلومات الرقمية التابع له على إطلاق مشروع مكتبة العتبة المقدسة الرقمية بنظام العضوية لأول مرة في العراق.
مدير المركز السيد عمار الجواد قال في تصريح صحفي لشبكة الكفيل إنَّ "العمل على إطلاق المكتبة استمر أكثر من خمس سنوات، وتُعد الأولى من نوعها في العراق التي تعتمد نظام العضوية، وهو نظام يهدف إلى تحسين تجربة المستخدمين وتبسيط الإجراءات، مما يتيح تجربة أفضل واستخدامًا أسهل، مضيفًا أن "نظام العضوية يوفر إمكانية إنشاء حساب خاص لكل باحث، إذ يُرسل اسم مستخدم وكلمة مرور عبر البريد الإلكتروني، ما يُمكِّن الباحثين من الاستفادة من جميع خدمات المكتبة الرقمية، دون الحاجة لإعادة إدخال بياناتهم عند كل استخدام".
الملف الاستنادي

مركز الفهرسة ونُظُم المعلومات التابع لقسم الشؤون الفكرية أطلق مشروع الملفّ الاستنادي للمؤلّفين العراقيين الذي يضمّ قاعدة بيانات متكاملة للمؤلّفين العراقيين وعنواناتهم، مع ذكر مكان وجود العنوان في المكتبات العراقية، فضلاً عن خريطة رقمية لتلك المكتبات سواء الأكاديمية منها أو المدرسية أو الخاصة أو العامة.
مدير المركز السيد علي عبد الرضا رسول ذكر أن "الملفّ الاستنادي يضمّ نحو 21 ألف مؤلّف عراقي، إضافة إلى وجود خاصية يمكن لأيّ شخص خلالها أن يضيف مؤلّفاته أو مكتبته إلى المشروع"
البوابة العراقية للمعرفة:

أطلقت منصة البوابة العراقية للمعرفة الخاصة بالأرشفة والتصنيف، بإشراف مركز الفهرسة ونظم المعلومات التابع لقسم الشؤون الفكرية، وجامعة الكفيل وبالتعاون مع وزارة التخطيط العراقية، واُعتُمِدت من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ومراكز المعلومات، ولجنة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (IFLA MENA).
وتعد المنصة من المشاريع التوثيقية العراقية الواسعة والرائدة على مستوى الوطن العربي من ناحية الأرشيف، وجمع التراث العراقي في مكان واحد لتحقيق الفائدة للباحثين في هذا المجال.
المستودع الرقمي العراقي للأطاريح والرسائل الجامعية

ينفّذ المشروع من قِبل مركز المعلومات الرقمية التابع للقسم، وهو عبارة عن موقع إلكتروني يجمع الأطاريح والرسائل الجامعية من كافة الاختصاصات العلمية والإنسانية، منذ تأسيس الدراسات العليا في الجامعات العراقية، وضمّها في دليلٍ إلكتروني شامل، ويكون بمواصفات قياسية قابلة للتحديث والتطوير والمواءمة مع البرامج العالمية، بالاعتماد على الإمكانات والطاقات العلميّة والفنّية العراقية.
ويهدف المشروع إلى أرشفة الأطاريح والرسائل الجامعية بشكلٍ يضمن سهولة استرجاع المعلومات، ويتميز بإمكانية إجراء البحث المتقدّم في محتويات الأطروحة أو الرسالة الجامعية، بالإضافة إلى البحث السريع في العنوان أو المؤلّف أو الموضوع، وإتاحة الاطّلاع على جزء محدّد من الأطروحة أو الرسالة (الصفحات الأولى)، إضافة إلى تصفّح المستخلص والمصادر.
دعم الجامعات العراقية

تعمل العتبة العباسية المقدسة بمختلف أقسامها، ومراكزها على دعم الجامعات العراقية، عبر العديد من المشاريع التي تسهم في تطوير البيئة التعليمية داخل الجامعة.
–العتبة المقدسة وعبر قسم الشؤون الفكرية والثقافية شاركت في استعادة مكتبة جامعة الموصل، حيث عمل مركز الفضل لصيانة وحفظ التراث المخطوط والأرشيف الوثائقي التابع للقسم، على إعداد ملاكات متخصصة في مكتبة جامعة الموصل وتأهيلها في مجال صيانة وحفظ الكتب القديمة والمجلات والصحف والوثائق، وتزويدهم بقوائم المواد والأجهزة والمعدات اللازمة للعمل.
- العتبة المقدسة مستمرة في تجهيز العديد من الجامعات العراقية بالمستلزمات اللوجستية والاحتياجات المختلفة، لدعم الجهود العلمية لتلك الجامعات والنهوض بواقعها بما يحقق أهدافها في تطوير القطاع التعليمي في البلاد.








