روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال لللفضيل:
تجلسونَ وتتحدثونَ؟
قال: نعم، جُعِلت فداك.
قال: إنَّ تلك المجالس أحبُّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله مَنْ أحيى أمرنا.
يا فضيل: مَنْ ذَكَرَنا، أو ذُكِرْنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر.
(بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٨٢)
______
دروس في الحديث:
١- الحث العام من الإمام المعصوم على إقامة المجالس، وفي ذلك رسالة صريحة إلى أهمية هذه المجالس وآثارها المتعددة.
____
٢- إنَّ تَفَقُّد الإمام المعصوم والسؤال عن إقامة المجالس وإحيائها فيه دلالة على ضرورة إقامتها؛ وأنها موضوع عناية خاصة منه، وإنَّ هذه العناية لا تكون إلا لأمر عظيم في الدين
(ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
____
٣- إنَّ محبة الإمام المعصوم لعمل معيَّن يؤكد عظمته ومقامه، وليس أهميته فقط، وقد ثبت عظمة هذه المجالس في التاريخ منذ تأسيسها إلى هذا اليوم في إيجاد مجتمع مؤمن صالح بتعاليم الشريعة الإسلامية المختلفة. (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )
____
٤- إنَّ الحديث يؤكد علاقة هذه المجالس بأحياء أمر محمد وآل محمد، وما أمرهم إلا أمر الدين، فهذه المجالس هي الصراط المستقيم لإحياء الدين
(وهناك حديث الإمام الرضا عليه السلام عن كيفية هذا الإحياء .. يتعلم علومنا ويعلمها الناس)
____
٥- الآثار الدينية والدنيوية لحضور هذه المجالس، حيث آثار البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) في التوبة وغفران الذنوب، ومحاسبة الإنسان لنفسه، وصلاحها، والرجوع إلى الله تعالى، والفوز بمقام (إنَّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
إنَّ أمر آل محمد (عليهم السلام) إنما هو أمر دين الله تعالى بمنظومته الكاملة في جانب المسائل العقائدية والأحكام الشرعية والأخلاق والتربية والتاريخ وغيرها.
ومن تلك الدروس النافعة في هذه المجالس:
١- الجانب العقائدي.
حيث يتم التعريف بالعقيدة الحقيقة للإسلام بأنَّ الله تعالى بلطفه العظيم بالأمة جعل لهم أوصياء اثني عشر بعد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"؛ يحافظون على عقائد المسلمين من الضياع والانحراف، من خلال عدم الاعتراف بالحكام أنهم خلفاء رسول الله؛ لذلك يقول الإمام الحسين "عليه السلام" في يزيد بن معاوية عندما طلب البيعة منه ((إنا أهل بيت النبوة .... ومثلي لا يبايع مثله)) وهو درس عقائدي عظيم.
٢- الجانب الفقهي.
حيث يتم بيان بعض الموضوعات المتعلقة بأحكام الشريعة المقدسة التي وردت في ملحمة الطف، ومنها مثلًا (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، إذ كان أساس النهضة الحسينية قائم على ذلك، كما يقول: ((إني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا مفسدًا، ولا ظالمًا .... أريد أنْ آمر بالمعروف وأنهَ عن المنكر))، وهو درس فقهي مهم
٣- الجانب التربوي والأخلاقي.
حيث تتمثل في النهضة الحسينية معاني الأخوة الحقيقية، والصحبة الحقيقية، والإيثار بالنفس من أجل الآخرين، وبر الوالدين، والعفو والإحسان إلى العدو، وغيرها من دروس تربوية.
٤ -الجانب التاريخي.
حيث يتم التعرُّف على التاريخ العظيم للنهضة الحسينية خاصة، وتاريخ المسلمين في الدفاع عن المقدسات ضد أعداء الدين وأدعيائه عامة، وبيان عظمة تلك التضحيات من أجل دين الله تعالى والدفاع عنه، مهما كانت التضحيات الجِسام.
(وَمِثلي لا يبايعُ مثله .. صراع بين مدرسة الحق والباطل)
لقد جسَّد سيد الشهداء الإمام الحسين "علسه السلام" مدرسة الحق والخط المتمثِّل بالأنبياء والأوصياء "عليهم السلام"، واراد أنْ يؤكِّد على ذلك، ويؤسِّس لأتباعه وشيعته مبدىء ذلك وإنْ كان الثمن التضحية بالنفس والأهل والأصحاب، وقد وقف ذلك الموقف التاريخي بخادطب والي المدينة "الوليد بن عتبة" تاذي طلب منه البيعة ليزيد بن معاوية.
فقال له الإمام الحسين "عليه السلام": ((إنَّا أهلُ بيتِ النبوةٍ، ومعدنُ الرسالةِ، ومختلَفُ الملائكةِ، ومحلَّ الرحمة، بنا فتحَ اللهُ، وبنا يختمُ، ويزيدُ رجلٌ شاربٌ للخمورِ، وقاتلُ النفسِ المحرَّمةِ، معلنٌ بالفسقِ، ومثلي لا يبايعُ مثله ..)).
إنَّ هذه الصرخة الحسينية الخالدة قد ذكرَتْ مبادىء هذه المدرسة الرسالية التي الإمام الحسين "عليه السلام" والتي فيها تلك الصفات (الست) التي لا يمكن أنْ يتكرها أيُّ مسلم، ووذكر صفات (ثلاث) لمدرسة الباطل والجور والطغيان، فأراد أنّ يذكِّر الناس بهاتين المدرستين من جهة، وبيان استبداد الطغاة الذين يريدون البيعة من الناس كلهم والخضوع لهم نت جهة ثانية، وأراد التأكيد على أنَّ مدرسته إنما تمثِّل دين الله تعالى ومقدساته العظيمة من جهة ثالثة، وأنَّ مَنْ ينتمي إلى هذه المدرسة الحسينية وينادي (لبيكَ يا حسين) فعليه أنْ يعرف:
-ما هو الحسين؟
-وما هي مدرسته؟
-وما هي مبادؤها؟ من جهة رابعة
وأخيرًا .. إنَّ على الحسينيين الذين ينتمون إليه أنْ يجعلوا خدمة الدين ومقدساته، والتمسُّك بتعاليم الشريعة المقدسة هو المعنى الحقيقي لهذا الصراع، والمعنى الحقيقي للشعار الخالد (ومثلي لا يبايع مثله) من جهة خامسة.
إنَّ الإصلاح هو الهدف الأساس الذي وضعه الإمام الحسين (عليه السلام) للنهضة الحسينية المباركة ضد الحكام والطغاة الفاسدين، الذين يريدون إفساد عقيدة الأمة باسم الدين وتعاليم الشريعة بطلانًا، حيث وصل الانحراف إلى أعلى مستواه عندما مهَّد الأمويون الحكم إلى يزيد الفاسق الفاجر شارب الخمور؛ لذلك كان على الإمام الحسين (عليه السلام) أنْ يبيِّن بطلان ذلك، ولذا قوف أمام عند ذلك الانحراف فقال في بيان النهضة وتأكيد غايتها العظيمة: ((إني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا مفسدًا،ولا ظالمًا, إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أنْ آمر بالمعروف وأنه عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي)) .. إنَّ هذا الشعار العظيم الصادق الذي أعلنه يؤكد على الهدف المقدس وهو (الإصلاح) الذي يقابل ذلك الفساد الكبير، وقد تحدث عن الإصلاح في مجالات ثلاثة:
١- الإصلاح السياسي في نهضته الحسينية.
حيث إنَّ هذه النهضة منزهة من مظاهر أربعة (أولًا: الأشر. ثانيًا :البطر. ثالثًا: الفساد. رابعًا: الظلم). فيجب على كل مصلح في الأمة أنْ يكون طاهرًا من هذه المفاسد السياسية الأربعة،.
هي رسالة واضحة للأمة وقادتها.
٢- الإصلاح الشرعي في نهضته الحسينية.
فهي تدعو إلى أمرين شرعيين عظيمين من الأحكام وهي: ((الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)) وما أهمهما من فريضتين، فالأمة التي تبايع يزيدًا خليفة لها هي أمة منحرفة، ويجب نهيها عن هذا الانحراف.
وهذه رسالة في أهمية الأمر بالمعروف.
٣- الإصلاح العقائدي في نهضته الحسينية.
فهي تدعو إلى التمسك بسيرة المعصومين ووارثيهم من دون غيرهم مطلقًا ((بسيرة جدي وأبي)) وما أعظمها من ولاية وطاعة.
وهي رسالة العقيدة الصادقة للأمة.
إنَّ النهضة الحسينية المباركه لسيد الشهيد الإمام الحسين (عليه السلام) قد جسَّدت أسمى معاني التضحية والفداء في الدفاع عن الدين وتعاليمه، والذي هو أعظم شيء مقدَّس عند المؤمنين، ولقد كانت تلك التضحيات شاهدًا ورسالةً صريحةً على أهمية الدفاع عن الدين، والتضحية من أجله، وعدم التهاون في الوقوف تجاه أعدائه؛ لذلك أطلق الإمام الحسين (عليه السلام) صرخته المباركة: (واللهِ لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد)، فكان من آثار هذه التضحية أنْ:
١- قدَّم الإمام الحسين (عليه السلام) قرَّة عينه ولده "علي الأكبر" شهيدًا في سبيل الدفاع عن الدين ومقدساته. وهي رسالة إلى جميع الشباب الحسينيين أنْ يتعلموا معنى الدفاع عن مقدساتهم.
٢- قدَّم الأخ العظيم المجاهد في تفانيه عن المقدسات وهو "العباس" الذي بالغ في القتال والدفاع، وتقطعت أعطاؤه ولم يتراجع أو يتخاذل عن نصرة الدين ومقدساته. وهي رسالة واضحة لحفظ مقام الإخوة الايمانية في المجتمع، والتعاضد للدفاع عن المقدسات.
٣- قدَّم نساءه في المعركة وبعدها، فما أعظم شموخ "زينب" وإباءها في يوم عاشوراء وما بعده في الكوفة والشام ووقوفها أمام الطغاة ونصرة الدين ومقدساته بعفافها وحجابها وكرامتها، وهي رسالة للمرأة المؤمنة على أنْ تكون من مقومات نصرة المجتمع المؤمن المدافع عن مقدساته.
(رجالٌ صدقوا العهد مع الامام الحسين عليه السلام)
إنَّ النهضة الحسينية العظيمة قد أظهرت رجالًا أشداء عظماء في الدفاع عن العقيدة، وقد استطاعوا أنْ يصنعوا صفحات تاريخية خالدة، تفخر بها البشرية على مر الأيام والِدهور، ومن هؤلاء الأوائل المجاهدين في هذه النهضة العظيمة هو "مسلم بن عقيل"، الذي بعثه الإمام الحسين "عليه السلام" قبله إلى أهل الكوفة، وقد كتب لهم كتابًا يبين مقام "مسلم" ومنزلة وعظمته في هذه النهضة فقال: (وأنا باعث إليكم بأخي، وابن عمي، وثقتي من أهلي، لِيُعلمَ لي أمركم، ويكتب لي بما تبيَّن من اجتماعكم..)
إنَّ هذا الكتاب تضمَّن أمورًا متعددة تؤكد منزلة شهيد النهضة الحسينية الأول منها:
١- إنه أخي.
لقد عبَّر الإمام الحسين عن أعظم رابطة بين المؤمنين، وهي رابطة العقيدة الإيمانية وكما قال تعالى: (إنما المؤمنين إخوة)، فالامام يعترف بإيمان "مسلم" الثابت الراسخ، حيث يجعلها أهم رابطة بينهما.
وفي ذلك رسالة إلينا بأهمية الإيمان والأخوة الإيمانية في المجتمع.
٢- إنه ابن عمي.
وهو يؤكد على هذه الرابطة الثانية التي بينهما (صلة الرحم )، وهي رابطة صادقة وثيقة قائمة على الصدق فيها، والتضحية من أجلها، وليست رابطة ظاهرية فقط.
وفي ذلك رسالة واضحة إلى عظمة صلة الرحم وأهميته في بناء العلاقات بين المؤمنين خاصة.
٣- إنه ثقتي.
وهذه صفة عظيمة ومهمة جدًّا أنْ يكون "مسلم" ثقة للإمام المعصوم سيد شباب أهل الجنة، والتي تدل على طهارته ونزاهته من العيوب والانحرافات.
وفي ذلك رسالة مهمة إلى أهمية الثقة في بناء شخصية المؤمن.
إنَّ كل ذلك يؤكد صدق العهد مع الإمام الحسين عليه السلام في سبيل نهضته الإصلاحية العظيمة، ويجب أنْ يكون المؤمنون على قدر هذه المسؤولية في العهد مع الإمام.