البحث المتقدم

البحث المتقدم

١٣ محرم ١٤٤٧

الإمام الحسين ع في نهضته أعلى كلمة التوحيد في قوله وفعله

 

نعم، لقد كانت نهضة الإمام الحسين عليه السلام تجسيدًا عمليًا نقيًّا لكلمة "لا إله إلا الله"، وقد رفعها الإمام (عليه السلام) قولًا وفعلاً، حتى صارت كربلاء ميدان التوحيد الخالص والتجرد التام من هوى النفس، وساحةً لتوحيد الله في أعظم معانيه. إليك تفصيلاً في مظاهر هذا التوحيد تجد جوهره في كلمات الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة 

حيث قال :" كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك، ولا تزال عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا " (١) 

أهداف النهضة الحسينية 

 أولًا: في هدف النهضة – توحيد الحاكمية لله

الإمام الحسين (ع) صرح بقوله:

[وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين . (٢)

هذه العبارة تختصر جوهر التوحيد الخالص: فلا طاعة إلا لله، ولا شرعية إلا لمن يمثل شرع الله. رفض الحسين (ع) بيعة يزيد كان رفضًا لعبودية الطاغوت، وبيعة لله وحده.

ثانيًا: في أقواله – إظهار مطلق التوكل على الله وحده

حين اشتد الأمر بكربلاء وفقد كل أنصاره حتى طفله الرضيع، قال الإمام الحسين (ع) بنفس مطمئنة 

[هون ما نزل بي أنه بعين الله](٣)   هذا التوكل الصادق هو ثمرة التوحيد الخالص، فلا اعتماد على قوة مادية، بل على ربّ القدرة والملكوت.

ثالثًا: في سلوكه (ع) – الطاعة المطلقة لله

حينما جاء القوم أعداء الحسين عليه السلام أرسل الإمام أخاه أبو الفضل وعشرون فارسا لاستقبالهم وأخذ ما يريدون فقالوا له عندنا كتاب من ابن زياد إما أن يتنازل الإمام أو يقاتل فرجع أبو الفضل لأخيه الإمام الحسين عليه السلام وأخبره مقالتهم في الخبر 

[جاء العباس عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام وأخبره بما قال القوم، فقال: ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد، وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار].(٤) 

موقف آخر في عمق المعركة 

رغم شدة العطش والقتل، لم يترك الإمام الحسين (ع) وصحبه الصلاة. بل صلاها في أول وقتها، حتى في ساحة المعركة. قال زهير ابن القين: أتحب أن نصلي قبل أن نلقى ربنا؟"

فصلى الحسين (ع) صلاة الخوف يوم عاشوراء، وأُريقت الدماء وهم في حالة خشوع لله.

هل بعد هذا من توحيد أسمى؟ 

رابعًا: في دعائه – تسليم وتوحيد خالص

من أروع ما قال الإمام (ع) يوم الطف:

" فروي عن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنه قال:" لما صبحت الخيل الحسين رفع يديه وقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة  وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته، وأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة . (٥)

هذا الدعاء يمثّل أعلى مراتب التوحيد العرفاني؛ رؤية الله في كل شيء، ومع كل شيء، وفوق كل شيء، ومع ذلك لا يشبهه شيئ.

خامسًا:  في دم الإمام الحسين(ع) – فداءٌ توحيدي وتمهيدي 

فدى بنفسه ليقام الدين ومعالمه 

لم يكن دم الإمام الحسين (عليه السلام) لأجل مُلكٍ أو دنيا، بل فدى نفسه وأهله وكل ما يملك من أجل أن تُقام صلاة الله، ويُحفظ دين الله، وتُطاع شريعة الله. حتى جسد هذه المقولة المشهورة حينما تقف على كل تضحياته عليه السلام (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني." الشاعر الكبير الشيخ محسن أبو الحب (متوفى سنة ١٣٠٥ هـ )

تمهيدي: يهيئ القلوب لثبات القلوب لخروج الإمام الحجة عليه السلام 

عن زرارة بن أعين قال: قال أبو عبد الله عليه السلام، لابد للغلام من غيبة، قلت: ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - وهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: مات أبوه ولم يخلف ومنهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين قال زرارة: فقلت: وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال: ادع الله

 بهذا الدعاء: " اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك، اللهم عرفني نبيك، فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرفه قط، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني "(٦)

 النتيجة:

نهضة الامام الحسين عليه السلام هي:

١-توحيد في الغاية: حفظ دين الله.

٢-توحيد في الوسيلة: الاعتماد على الله وحسن التوكل عليه .

٣-توحيد في الفعل: الطاعة المطلقة لله سبحانه.

٤-توحيد في المصير: الرضا بقضاء الله قدره .

الخاتمة: البكاء علامة القبول في هذه الليلة الأليمة 

 فعلينا أن نبكي الإمام الحسين عليه السلام صباحاً ومساء كما ورد عن مولانا الرضا عليه السلام عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرضا (عليه السلام): إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة في أمرنا. إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام.(٧)

 فسلامٌ على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين 

 الذي ما نادى بشيء إلا التوحيد، ولا سفك دمه إلا ليُحيا اسم الله سبحانه . نسأل من الله في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين 

المصادر 

(1)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٤ - الصفحة ١٤٢.

(2)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٢٩ . 

(3)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ٤٦.

(4)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٩٢. 

(5)   الإرشاد - الشيخ الفيد - ج ٢ - الصفحة ٩٦. 

(6)   بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٢ - الصفحة ٣٢٦. 

(7)   الأمالي - الشيخ الصدوق - الصفحة ١٩٠.

مواضيع ذات صلة