البحث المتقدم

البحث المتقدم

١٣ محرم ١٤٤٧

رؤية المرجعية العليا في العنف الأسري والاجتماعي بين المشكلات والأسباب

وتضمنت التوجيهات (اجتماعية وأخلاقية) لتشخيص المشكلات والأسباب للظواهر التي تهدد السلم الاجتماعي والمنظومة الأخلاقية وبينت المرجعية العليا في خطبة الجمعة نموذجا من تلك الظواهر المجتمعية.

                         أن الفرد  البشري والمجتمع الإنساني تحصل تجاذبات وتنافر في أمور الحياتية العامة ،حيث يتعرض  الكثير الى الاحتكاك والاختلاط  في النشاطات اليومية المختلفة ،وقد  تصل تلك التجاذبات والتنافر من النزاعات والسلوكيات بعضها ممدوح وبعضها مذموم ،المرجعية العليا بينت ذلك  بقولها : " أحياناً بعض هذه السلوكيّات المذمومة حالة فرديّة يمارسها فرد أو مجموعة من الأفراد، لا تشكّل خطراً على السلم الاجتماعيّ والمنظومة الأخلاقيّة ولا تهدّد الكيان الحضاريّ للمجتمع، ليست لدينا مشكلة كبيرة تجاه هذه السلوكيّات إن كانت حالة فرديّة تُمارس على مستوى عددٍ قليل من الأفراد"  أي إن الخطورة تكمن في تداعيات تهديد الكيان الحضاري والاجتماعي والأخلاقي ،إذ تتحول تلك السلوكيات إلى ظاهرة مجتمعية ،أي يمارسها عدد كبير من الناس وتهدد السلم الاجتماعي ،وعرفت المرجعية العليا  سلوك  العنف هو : "السلوك العدوانيّ والسلوك الذي فيه تعدّي وظلم وتعامل بخشونة وقسوة وغلظة وفضاضة مع الآخرين في مختلف مجالات الحياة ومنها المجال الاجتماعي، وهذا السلوك نسمّيه العنف، وأحياناً قد يتطوّر الى حالة حرب" ، هذه الصفات ليس دائما صفة مذمومة على نحو الأطلاق ،هنالك حالات محددة تكون فيها العنف مقبولا كما بينت المرجعية العليا "هناك حالات حتّى في القرآن (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) أي على الكفار، هناك حالات محدّدة يكون فيها العنف مقبولاً ولكن ضمن ضوابط شرعيّة ومحدّدات معيّنة لا يجوز للإنسان أن يتجاوزها، منها مثلاً الدفاع عن الدين والمقدّسات والوطن أو عن الأرض والعِرض ومحاولة تحصيل الحقوق المشروعة وحماية النفس ودفع الأذى، هناك في مجالاتٍ معيّنة ليس هذا السلوك مذموماً ولكن بشرط أن يكون ضمن الضوابط والمحدّدات الشرعيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة التي تسوّغ استعمال هذه الوسيلة " ،و  قسمت المرجعية الدينية العليا العنف على  ستة  أقسام، وهي:

  1. العنف الاجتماعي:

هو أن يغلب العنف ويسود اللجوء إليه في حلّ المشاكل والنزاعات والاختلافات مع الآخرين، أو الإساءة في المعاملة والتجاوز على الآخرين بهذا الأسلوب، وبسبب ذلك يحصل  نزاعٌ واختلاف قويّ وشديد، حيث وجهت المرجعية الدينية بقولها " الإسلام يدعوك الى الحوار والتفاهم والجلوس مع هذا الشخص أو الجهة التي أنت لديك معها مشكلة ونزاع واختلاف أو حصلت منه إساءة وتجاوز، بدلاً من أن تلجأ الى العنف وتعقّد المشكلة وتؤزّم أكثر وتولّد المزيد من العداوات والأحقاد والمسألة تتعقّد أكثر، هنا هذا النوع من العنف الاجتماعيّ المذموم أن الإنسان أو الكيان الاجتماعيّ يلجأ الى أسلوب العنف والقسوة والاعتداء على الآخرين إذا اختلف معهم، أو كان معهم نزاع أو مشكلة أو إساءة أو تجاوز من الآخرين، هذا نوع من أنواع العنف".

  1. العنف السياسي الاجتماعي:

هو العنف السياسيّ الذي يستخدم وسائل غير مشروعة لتحقيق أهداف سياسيّة، كما بينتها المرجعية الدينية "كالقتل للخصوم وتهديدهم وإرعابهم وتخويفهم وإلصاق التهم بهم من دون دليل، والطعن في سيرتهم واستخدام الأساليب الخشنة في التعامل معهم وتسقيط الاعتبار الاجتماعيّ لهم داخل المجتمع، فإنّها وسائل غير صحيحة بل غير لائقة بمن يبتغي اتّخاذ العمل السياسيّ وسيلةً للخدمة وأداء الوظيفة المخصوصة للسياسييّن في إدارة أمور البلاد بطرقٍ تربويّة مشروعة وحضاريّةٍ مقبول"

  1. العنف الأسري:

ونبهت المرجعية الدينية العليا  إلى هذا النوع من العنف الخطير، وهو إشاعة أسلوب التوبيخ والتأنيب والتقريع والخشونة والقساوة والفضاضة في التعامل بين أفراد الأسرة كما ورد في خطبة الجمعة المباركة :" سواءً بين الزوج والزوجة أو بين الأب وأولاده أو العكس أو بين الأبناء، وقد يحصل بعض الأحيان اللجوء الى الضرب وهذا ليس من أسلوب التربية، الإسلام لم يقبل بهذا الأسلوب، هناك حدود وقواعد وضوابط لاستخدام هذا الأسلوب، والإسلام يدعو أوّلاً في بداية الأمر الى استخدام الأسلوب الحكيم باللين والمداراة والعطف، الأسلوب التربويّ الذي يكون مؤثّراً هذه الأساليب المرجوّة، أمّا أن يلجأ الزوج الى ضرب زوجته مثلاً كأسلوب تربويّ هذا غير مقبول إسلاميّاً، أو الأسلوب المتّبع أسلوب الفضاضة والغلظة والخشونة في التربية والدعوة الى استعمال هذه الأساليب، هناك نوعٌ شائع الآن من العنف الأسريّ في داخل الأسر خصوصاً بين الزوج والزوجة وأحياناً حتى بين الأبناء وآبائهم، قد أحياناً لا يلجأ الى الضرب إنّما الى أسلوبٍ فظّ خشن قاسٍ مع الأبوين في التعامل معهما، هذا حقيقةً نوعٌ من العنف الذي يرفضه الإسلام ".

  1. العنف في الكلام:

هو العنف في المخاطبة والمحاورة والكلام واعتبرت المرجعية الدينية العليا إن هذا الأمر قد اصبح معتادا بين الناس ويعتبر أسلوب منافي للأخلاق والقيم الإسلامية  كما جاء في كلمتها المباركة:" وهذا كثيراً ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعيّ، أو في المخاطبة العاديّة بيننا أو في الحوار حينما نتحاور ويتكلّم بعضنا مع البعض الآخر، حينما يخاطب بعضنا البعض الآخر ليس هناك أسلوب محترم وليس هناك أسلوب في الكلام والحوار والمخاطبة يليق بمقام المخاطب، في كثيرٍ من الأحيان نجد الكثير من الغلظة والقسوة والخشونة في التخاطب، سواءً كان في التخاطب المباشر أو في التخاطب عبر وسيلة الكتابة والمراسلة، هذا نوع من أنواع العنف لاحظوا دائماً (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)" وتناولت أيضا المرجعية العليا  الأسلوب الذي يحلّ المشاكل والنزاعات والاختلافات، والوسيلة التي تقرّب القلوب وتجعل من الحوار والمخاطبة وسيلةً للإقناع والتقارب بقولها " إنّما هو الأسلوب الليّن والأسلوب الذي فيه احترام للآخرين، لذلك إخواني حينما يتكلّم بعضنا مع البعض الآخر وحينما نتحاور وجهاً لوجه أو عبر التخاطب بالمراسلة وغير ذلك أو بوسائل التواصل الاجتماعيّ، لابُدّ أن نلتفت وأن ننتبه هل أنّ الألفاظ التي نستخدمها ربّما فيها إهانة أو مسّ لكرامة الآخرين وعدم احترام للآخرين، لابُدّ أن نلاحظ أسلوب الرفق واللين والاحترام للآخرين والتقدير لمقامهم ومنزلتهم، وحتى إذا كان إنساناً عاديّاً لابُدّ أن يكون أسلوبي في المخاطبة والحوار والكلام أن يكون أسلوباً مبنيّاً على الاحترام والتقدير، حتى أجذب القلوب ويُمكن أن أحلّ الكثير من هذه الأمور، ويُمكن أن أقنع الآخرين بوجهة نظري ورأيي واعتقادي من خلال هذا الأسلوب، أمّا أسلوب الخشونة والفضاضة والقسوة والغلظة وعدم الاحترام والسبّ والشتم للآخرين كثيراً ما نجد هذا الأسلوب هو بعيدٌ عن الإسلام، ولذلك ينبغي أن يكون الأسلوب المتّبع هو هذا الأسلوب الذي دعا اليه الإسلام".

  1. العنف العشائري:

لوحظ بعض العشائر أخذت منطقُ اللجوء إلى العنف والتقاتل وأيضاً الاعتداء على الآخرين وإصدار الأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان و المنافية للأحكام الشرعيّة ومن منطلق مسؤولية المرجعية  الدينية في انصاح المجتمع أخذت بدورها بيان هذه المشكلة ومعالجتها كما جاء في الخطبة المباركة :" مقتضى الانتماء لهذا الوطن وحقوق المواطنة ومقتضى الأخلاق الحميدة التي اتّصفت بها العشائر الأصيلة، أصبح هناك الذي يسود ... تارةً ممارسة على مستوى أفراد وتارةً ممارسة على مستوى ظاهرة مجتمعيّة تُمارس لدى الكثير، من جملتها العنف العشائريّ لاختلافٍ ونزاعٍ بسيط ومشكلة بسيطة يحصل تقاتل بين هذه العشيرة وتلك العشيرة الأخرى، ويذهب ضحيّته عشرة أو عشرون أو أكثر من المواطنين، حتى لو كانوا من أبناء العشيرتين المتقاتلتين لأمرٍ بسيط وأمرٍ تافه ومشكلة تافهة واختلاف بسيط، تجاوزٌ حصل من بعض أبناء هذه العشيرة على عشيرةٍ أخرى يحصل تقاتل ويذهب ضحيّته الكثير من المواطنين"[1]

التعامل مع المشكلات في منظور المرجعية العليا؟

أكدت المرجعية العليا أن المشكلة في حل الاختلافات والنزاعات المجتمعية تكمن في كيفية التعامل وفق الشرع من جانب والعقل من جانب أخر الإدارة الأزمات الاجتماعية، وان لا يتحول هذا النزاع إلى تصعيد وتناحر وتحارب بحيث يضر أفراد المجتمع، اذاً ماهي السبل الصحيحة في التعامل مع المشكلات؟

أولا نشير إلى القران الكريم في الآية الكريمة (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين َ ([2]  كما ذكرت المرجعية العليا بقولها " ان  مسالة الاختلاف طبيعية في المجتمعات التي تتنوع فيها الثقافات والأديان والعادات المختلفة ،والتنافس بين أفراد البشر في الأمور المادية والدنيوية ،والاهم كيف نتعامل التعامل الإيجابي مع هذه الاختلافات والنزاعات ؟ ،كل اختلاف يتحول الى نزاع ،وهذه الاختلافات تتواجد في مختلف جوانب الحياة في داخل الأسرة ثمّ في مواقع العمل ثمّ في الاختلافات المجتمعيّة، لا شكّ أنّ الأسرة من الزوج والزوجة والأولاد منشأ الاختلاف موجودٌ فيها" أي ان  الاختلاف في مستوى الثقافة وفي مستوى التعليم وفي مستوى الفهم  وارد في اغلب المجتمعات والعوائل وفي كيفيّة التعامل والتعاطي مع المشاكل التي تمرّ بها الأسرة و كيفيّة انتهاج الأسلوب في التربية وكيفيّة مواجهة المحن والمشاكل والأزمات التي تمرّ بها الأسرة، و مواجهة الظروف المعيشيّة ، لابُدّ أن نتعاطى مع الاختلافات تعاطياً إيجابيّاً، ولابُدّ لكلّ واحدٍ من الزوج أو الزوجة طباعٌ وظروف، وعلى الطرف الاخر ان يتفهّم طبيعة المشاكل التي تمرّ بها الأسرة فلابُدّ أن تشيع أجواء المحبّة والاحترام والانسجام بين أفرادها ، ولابُدّ أن يكون هناك تحمّل وصبر للظروف والمحن ، حينئذٍ يمكن أن نصل الى حالة التعاطي الإيجابي مع هذه الاختلافات، بحيث لا تتحوّل الى نزاع يدمّر الأسرة، ولابُدّ أن يكون هناك أسلوب حكيم من التعامل مع هذه الاختلافات[3]

 


[1] خطبة الجمعة :بتاريخ  29 ربيع الأول 1440 هـ الموافق 07/12/2018 م :بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (اعزه الله )

 

[2] سورة هود :118-119

[3] [3]خطبة  الجمعة :(7 رجب 1440هـ) الموافق لـ(15 آذار 2019م) : بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّه)

 

مواضيع ذات صلة