البحث المتقدم

البحث المتقدم

٠٨ ذو الحجة ١٤٤٦

مهرجان تعزيز الذاكرة الأول (دروس الماضي ... انطلاقة المستقبل)

بهدف تسليط الضوء على جرائم النظام البائد من اضطهاد وتشريد وقتل بحقّ أبناء الشعب العراقيّ بكل طوائفه، وسلب لكرامة المواطنين وحريتهم، لا سيما محاربته للطبقة العلمية والدينية والقضاء على الكفاءات، والتخلّص منها في ظل نظام ديكتاتوريّ مجرم، وصولاً إلى دور الإرهاب في زعزعة أمن البلاد بعد سقوط النظام الصداميّ، وترويع العوائل، وقتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والشباب، واستذكار الفتوى المباركة للمرجعية العليا ودورها المهمّ والفعّال في استنهاض سواعد أبطال الحشد الشعبيّ والقوات الأمنية لمحاربة الإرهاب الداعشي، وتحقيق الأمن والاستقرار لهذا البلد.

 فكانت فعاليات مهرجان تعزيز الذاكرة الأول في محافظة النجف الأشرف الذي نظّمته كلية العلوم في جامعة الكوفة برعاية العتبة العبّاسيّة المقدّسة متمثّلة بمؤسسة الوافي للتوثيق والدراسات وتحت شعار (دروس الماضي ... انطلاقة المستقبل)؛ يسلط الضوء على إحياء الذاكرة الوطنيّة ويوثّق الأحداث التاريخيّة المؤثّرة في المجتمع العراقيّ لحماية ذاكرة الأجيال وبناء وعي يحصنّهم للمستقبل.

انبثق مهرجان تعزيز الذاكرة الأول بعد تعاون مشترك بين مؤسسة الوافي للتوثيق والدراسات وكلية العلوم في جامعة الكوفة، بعد سلسلة من الزيارات المتبادلة بين الجانبين لما يمثّله المهرجان من حاجة ملحّة تعزّز الحاضر وترتقي به نحو التطوّر، وتنأى به عن التدهور وتستلهم منه العبر والدروس في مواجهة الحاضر ورسم أطر المستقبل، حتى لا يُقدّم المجرمُ على أنّه شهيد، ولا يُقدّم الشهيد على أنّه خارج على القانون، وقد شهد المعرض في مهرجان تعزيز الذاكرة مشاركة العتبة العلويّة ومؤسّسة الشهداء -فرع النجف- وقسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة العائد للعتبة العبّاسيّة.

 

وقد تحدّث رئيس مؤسّسة الوافي المهندس السيّد أحمد صادق (دام توفيقه) عن فقرات المهرجان والتحضيرات له قائلًا: (إنَّ المهرجان سيتضمَّن حفلَ افتتاحٍ تتخلَّله كلمة للعتبّة المقدّسة، وأخرى لجامعة الكوفة، إضافة إلى مناقشة ورقتين بحثيتين، وعرض فيدويٍّ، وتكريم عدد من عوائل الشهداء في زمن النظام السابق وشهداء فتوى الدفاع المقدّسة.)

وأضاف بقوله: (يتضمّن المهرجان سيشهد افتتاح معرض ثقافي يتضمَّن عرض العديد من الكتب والوثائق والصور، فضلًا عن مقتنيات خاصة بشهداء الحوزة العلمية، وسيستمر عدّة أيام)، لافتًا إلى أنّ (المعرض يُقام بمشاركة العتبة العلويّة المقدّسة، ومؤسسة الشهداء -فرع النجف الأشرف-).

وقد تطرّق صادق إلى أهميّة المهرجان والهدف منه إذ قال: (إنّ مهرجان تعزيز الذاكرة الأوَّل، يهدف إلى إيصال رسالة توعويّة مهمّة إلى طلبة الجامعات وأبناء هذا الجيل، بشأن حقيقة ما جرى في حقبتي اللّانظام في الزمن البائد والإرهاب المعاصر).

 

وأوضح: (إنّ انعدام الوعي التاريخي بما جرى من مجازر وانتهاكات بحقّ الشعب العراقيّ، خلق ضبابية في فهم الكثير من الشباب الذين لم يعيشوا فترة اللّانظام في الزمن البائد، وجعل بعضهم ينظر إلى تلك المرحلة على أنها كانت زمناً جميلاً).

وتابع: (إنّ المهرجان يسلّط الضوء على الجرائم التي ارتُكبت إبّان النظام السابق، ويبيّن أنّ الإرهاب الذي تبعه لم يكن إلّا امتدادًا لتلك الحقبة ضمن سلسلة من الإجرام التي استهدفت العراقيين).

وختم صادق حديثه بالقول: (من هذا المنطلق حمل المهرجان شعاره (دروس الماضي … انطلاقة المستقبل)؛ لتأكيد أهمية التوثيق والوعي التاريخيّ في بناء مستقبل آمن للأجيال المقبلة).

 

وشهد المهرجان حضور عضو مجلس إدارة العتبة العبّاسيّة المقدّسة السيّد ليث الموسوي (دام توفيقه) وعددٌ من مسؤوليها، إضافة إلى شخصيات أكاديميّة ودينيّة وحوزويّة، وجمع من ملاكات وطلبة جامعة الكوفة، وقد استُهِلّت فعاليات المهرجان بقراءة آيات من الذكر الحكيم، ثمّ الاستماع إلى النشيد الوطنيّ العراقيّ، وإلقاء كلمة للعتبة المقدّسة وأخرى لجامعة الكوفة، وكلمة للأستاذ في الحوزة العلميّة السيّد محمّد علي بحر العلوم (دام عزّه)، إضافة إلى مناقشة ورقتين بحثيَّتين بشأن أهمية التوثيق.

وكان مهرجان تعزيز الذاكرة الأول قد شهد افتتاح معرض خاصّ بجرائم الإبادة الجماعية، وقد شارك قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة التابع للعتبة العبّاسيّة بأكثر من (350) إصدارًا في المعرض وتحدّث مسؤول وحدة المعارض والفنون العائد للقسم السيّد سلام عادل الجنابيّ: (إنّ مشاركة القسم في معرض مهرجان تعزيز الذاكرة الأول، تضمّنت عرض أكثر من (350) إصدارًا متنوعًا منها: الموسوعات، والمجلات المحكّمة، والكتب الدينية والعقائديّة والأدبيّة والاجتماعيّة، فضلًا عن كتب تخصّ الطفولة والفكر العام).

وأضاف: (إنّ إصدارات القسم شهدت إقبالًا من زائري المعرض والأكاديميّين المهتمّين بالإصدارات المحكّمة والمشاركين في المهرجان).

وقد شهدت فعاليات مهرجان تعزيز الذاكرة الأوَّل في محافظة النجف الأشرف، تكريم عدد من عوائل الشهداء في زمن النظام البائد وكذلك عوائل شهداء فتوى الدفاع المقدّس؛ تثمينًا لبطولات وتضحيات أبنائهم الذين ضحوا بأرواحهم من أجل العراق.

وقدّم الباحث في مؤسسة الوافي الدكتور سعيد عكاب الشمري، بحثًا بعنوان (التوثيق وأثره في تعزيز الذاكرة.. موسوعة فتوى الدفاع الكفائي أنموذجًا)، جاء ذلك عبر مشاركته في مهرجان تعزيز الذاكرة الأول، وقد صرح الدكتور: (إنَّ البحث تضمّن ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأوَّل التوثيق والتدوين وتاريخهما، في حين تناول الثاني قراءة في موسوعة فتوى الدفاع الكفائي التي جاءت في 80 مجلدًا، أمّا المبحث الثالث فتضمّن الشهادات التي وردت في الموسوعة).

وأضاف: (إنّ الشهادات بدورها تضمّنت قسمين، القسم الأوَّل اختصّ بالزائر الذي يأتي إلى مؤسَّسة الوافي ويرى ثمّ يعطي رأيه، ويشهد بذلك، وأمّا القسم الآخر فهو ما جاء عبرَ الموفدين إلى المؤسّسات الحكوميّة، أو الدينية).

وقد عرض القائمين على المهرجان فيلمًا وثائقيٍّا حول جرائم النظام السابق والجماعات الإرهابية؛ تناول الفيلم عرضًا لمجموعةٍ من الجرائم التي ارتكبها النظام السابق بحقِّ الشعب العراقيّ، إضافة إلى الجرائم التي قامت بها الجماعات الإرهابية.

الحوزة العلمية كانت لها كلمة مؤثرة في المهرجان؛ إذ أوضح سماحة السيّد محمد علي بحر العلوم (دام عزّه) خلال كلمته التي ألقاها: (إنّ هذا المهرجان الذي يُقام في هذه الجامعة بين الطلبة، ويشرف عليه أساتذة أكفاء، يهدف إلى التعريف بالماضي واستلهام الدروس والعبر)، مشيرًا إلى أنّ (المراد من هذا المهرجان ألّا تموت الذاكرة، ويحيا الحاضر بالإفادة من الماضي في معالجة المشكلات).

ولفت إلى (أنّ جزءًا كبيرًا من مشكلات الحاضر هي من آثار الماضي، وعدم تحليل الماضي ودراسته واستخلاص العبرة منه، سيسهم في عدم القدرة على معالجة مشكلات الحاضر، مؤكدًا ضرورة عدم التركيز على الحاضر ومشكلاته ونسيان الماضي).

وذكر بحر العلوم: (إنّ للدكتاتوريّة والاستبداد والسياسات الشمولية والاستبداديّة التي عاشها العراق لمدّة تزيد على ثلاثة عقود، آثارًا على المجتمع ومعاناة كبيرة، تمثّلت في إهدار كرامة الإنسان والظلم، والقمع والحرمان من الحقوق والحريات، وقد نتجت عنها جرائم كبرى وإبادة ومقابر جماعية وقضاء على العلم والمعرفة).

وبيّن بحر العلوم: (إنّ السياسة الشموليّة نتاجها ومنهجها التطرّف والفكر، ما يؤكّد أهمّيّة التمييز وأحد الأمور الأساسية التي تستلهم من الماضي التمييز بين المناهج، والعمل على منع عودة الاستبداد بأي صورة كانت، والتطرّف وقتل الفكر والرأي والتعبير بالحرية التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان).

وتطرّق السيّد إلى معاناة البلد من التطرّف الفكريّ والانحرافات العقائديّة التي تستبيح كرامة الإنسان وتستعبد الفكر وتقتل الحوار والعقل لتحرق الأخضر واليابس، مشيرًا إلى ما شهدته البلاد جرّاء الأفكار المنحرفة والتطرّف الفكريّ.

وأكّد (إنّ هذا المهرجان والتعاون بين الجامعة والحوزة العلمية جاء في سبيل التوثيق وتعزيز الذاكرة، لافتًا إلى أنّ العتبات المقدّسة أصبحت أيضًا رافدًا فكريًّا للمجتمع، وعملت على تأسيس مؤسّسات للتوثيق والذاكرة).

مهرجان تعزيز الذاكرة، يأتي لإحياء الضمائر واستحضار المسؤوليّة الشرعيّة والأخلاقيّة أمام الله تعالى، وأمام التاريخ، في كشف الجرائم التي ارتكبها النظام البعثيّ البائد بحقّ أبناء هذا الشعب المظلوم، وهو فرصة لإعادة البوصلة إلى الاتجاه الصحيح؛ إذ ينبغي للحقّ أن يُقال وللظلم أن يُدان. جاء ذلك خلال كلمة السيّد طالب الجعفريّ مدير مؤسسة الشهداء في النجف الأشرف عبر مشاركته في مهرجان تعزيز الذاكرة الأول.

وأضاف السيّد: (إنَّ ما تعرّض له الشعب العراقيّ في ظلّ النظام المقبور من ظلم واضطهادٍ وقتل وتشريد، هو جريمة لا يمكن أن تُنسى أو تُغتفر، لأنّها لم تكن فقط اعتداءً على الإنسان، بل كانت اعتداءً على الكرامة التي منحها اللّه تعالى للإنسان، وعلى القيم التي جاء بها الدين الإسلامي).

وأوضح الجعفريّ: (إنَّ المهرجان يعدّ جزءًا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو حفظ للعِبرة، وتأكيد زوال الظلم مهما طال زمانه، وأنّ الحقّ له ربٌّ ينصره وأمة تُحييه) لافتًا إلى أنَّ (تعزيز الذاكرة يأتي من باب المسؤولية تجاه الأجيال القادمة فالتاريخ الذي لا يُكتب بصدق، سيُعاد بألم، والسكوت عن الجرائم هو تهيئة الأرضية لعودتها من جديد، بثوب آخر، أو عنوان مختلف).

 

جامعة الكوفة بدورها كان لها كلمة عبر رئيس الجامعة الدكتور علاء المولى؛ إذ أعرب عن أمله ببناء دولة كريمة بوجود المخلصين والكفاءات العراقية، وأن الشعب العراقي لم يهنأ بسقوط النظام الدكتاتوريّ البائد بسبب هجوم قوى الإرهاب والظلام التي هدفت إلى استباحة الأعراض، وسبي الأهالي، وترويع الآمنين.

وأضاف أنَّ (هذه القوى المجرمة تريد للعراق أن يدفع ضريبة مواقفه النبيلة التي لا يحيد عنها، وعقائده التي يلتزم من خلالها أبناؤه بولائهم لأهل البيت (عليهم السلام))، لافتًا إلى أنّ (الأمل يحدونا ببناء دولة كريمة بوجود المخلصين، والوطنيين والكفاءات العراقية، وتوافر الموارد البشرية، والمادية، التي تفتقر إليها الكثير من البلدان في العالم) موضحًا أنّ (المرجعية الدينية العليا تمثّل صمامًا لحفظ أمن العباد والبلاد، فضلًا عن الجهود التي تُقدّمها القوات الأمنيّة، والحشد الشعبيّ).

كلمة العتبة العبّاسيّة المقدّسة التي ألقاها الدكتور حسام العبيديّ في مهرجان تعزيز الذاكرة أكّدت أنّ تاريخ العراق زاخر وحافل بالأحداث وفيه عصارة التجارب الناضجة، والذكرى والموعظة، وحريٌ بنا تأمل الماضي لنؤسس للطريقة المثلى في التعامل معها، وأخذ العبرة منه ونرتكز على الإيجابيات التي تعد حاجة ملحة لمعالجة قضايا المجتمع ورسم أطر المستقبل.

وأضاف العبيدي: (نحن اليوم أمام مسؤولية كبيرة وخطرة في الوقت نفسه؛ إذ علينا قراءة التاريخ قراءة فاحصة وناقدة لننقِّيه مما علق به من شوائب وتضليل، وفي الوقت نفسه أن نجتهد في توثيق التاريخ المعاصر بكل إنصاف ودقة؛ لنقدِّمه كتجارب ناضجة تنير بالحقيقةُ عقول الأجيال اللاحقة).

وأشار إلى أنّ (الأمانة العامة للعتبة العبَّاسيّة خصَّصت للتوثيق مسارًا برؤية واسعة؛ إذ عملت منذ سنوات على إقامة المؤتمرات الفكريّة التي تنقب في التاريخ وتستلهم منه العبر حتى استقرَّ بها المطاف إلى تسمية قسم قائم برأسه مهمته توثيق تاريخ العراق المعاصر وأعني به قسم مؤسسة الوافي)، لافتًا إلى أنَّ (هذا المهرجان يعزِّز الذاكرة ويكشف الحقائق حتى لا يُقدَّمَ المجرمُ على أنَّه شهيد، ولا يُقدَّمَ الشهيدُ على أنَّه خارج عن القانون).

 

 

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة