ومما لا شك فيه، أن تجاوب المرجعية العليا مع ثورة الراعب عشر من تموز، وتفاعلها معها في البداية، يعود بالتأكيد إلى أن تلك الثورة قد وفرت مناخاً إيجابياً أثر على مواقف وفاعلية تلك المرجعية على مجرى الحياة السياسية في العراق، فقد استفادت من الأوضاع الجديدة في تقوية مؤسساتها واستعادة قوتها وزادة نفوذها الشعبي، وهذا الامر هو الذي ساد في الستة أشهر الأولى – على أقل تقدير – من العهد الجديد. ومن جانب آخر، منحت رسائل المرجعية الدينية إلى الزعيم عبد الكريم قاسم بالمباركة والتأييد المبكر للحكومة العراقية الجديدة، القائمين بالثورة العراقية قوة إضافية للقبض على زمام الأمور في البلاد، ودعماً قوياً لسلطاهم للسيطرة على الصعيد الداخلي.
ولكن بعد مرور بضعة أشهر على اندلاع الثورة، بدت تلوح في الأفق مشاكل معقدة لم تعهدها المرجعية الدينية من قبل، فقد اجتاحت البلاد موجة من الانحلال والفساد المجتمعي، أخذت تنخر في أسس الحياة الإسلامية، وتهدد البناء الأسري برمته. وعلى الرغم من كون هذه الموجة شملت جزءاً يسيراً من المجتمع إلا أن الفرد المسلم يراها وكأنها طاغية على أغلبية الشعب ومسيطرة عليها.
أضف إلى ذلك أن التيار المادي الذي أخذ يغزو الإنسان ويسمم أفكاره كان يحظى بدعم أحزاب سياسية منظمة، في مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، الذي أشاع بدوره إلى أتباعه والمغترين بدعوته إلى الابتعاد عن عبادة الله تعالى استكباراً وجهالةً، واستبدالها بعبادة العقل والهوى فحسب، وتقديس المنطق الديالكتيكي والطبيعة الكونية والشخصيات القيادية كزعماء الحركة الشيوعية، وعدم الإيمان بالدين والملكية الخاصة. فالشيوعية اتصفت بالألحاد، لكن أفراداً منها إدّعوا أنهم معترفين بوجود الله سبحانه، لذلك أجادوا التلاعب بالألفاظ، وأدركوا مدى تأثيرها في نفوس البسطاء لكسبهم.
يتبع ...
المصدر موسوعة فتوى الدفاع الكفائي الجزء 3 ص 201