يعيش الإنسان في هذه الحياة إما مؤثرًا وإما متأثرًا، ولا يمكن لنا نفي هذا الحقيقة؛ فالإنسان بطبيعته يأنس بأبناء جنسه ويتفاعل معهم ويتأثر بهم، ويختلف هذا التأثر كمًّا ونوعًا من شخصٍ إلى آخر، وكذلك من فِكرٍ إلى آخر، فتأثر العالِــم العارف بالمحيط، ليس كتأثر الجاهل، وتأثير الحقائق ليس كتأثير الأوهام، وإن عملية التأثر والتأثير خاضعة ـ بلا شك ـ لضابطة الإنسان ومعياره.
وكانت هذه العملية مفتاحا لأدلجة الشعوب في كثير من الأحداث، فاستعمل بعض عملية التأثير سلاحًا لتوجيه الشعوب نحو أفكار معينة، وقد أجاد الغرب وماكنتهم الإعلامية استعمال هذه اللعبة لتحقيق كثير من أهدافهم، مستغلين بذلك هيمنتهم الاقتصادية والسياسية وكذلك العسكرية، فمثلا عملت دور السينما والأفلام العالمية الهوليودية وباقي الشركات المنتجة على خلق ثقافات جديدة وفقا لسياسات الدول الداعمة، إذ يقول أستاذ الدبلوماسية العامة نيكولاس كول (إن نجوم السينما الأميركية أصبحوا يتمتعون بالشهرة والإعجاب في كثير من دول العالم، لذلك فإنهم يقومون بدور دبلوماسي مهم في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية، وفي بناء قوتها الناعمة).
فمشاهدة الأفلام على الرغم من بساطتها و إثارتها للعواطف والأحاسيس لكن تأثيرها الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، إذ تقول تريشيا جنكيز، مؤلفة كتاب "دور السي آي أيه في هوليوود" (إن تدخل الوكالة في صناعة الأفلام وصل لذروته في الحرب الباردة، إذ كان الهدف صياغة السياسة الخارجية الأمريكية بشكل يستطيع كسب القلوب والعقول في الخارج، عبر مركز أبحاث لمكافحة الأيديولوجية الشيوعية تابع للوكالة الاستخباراتية، مهمته التفاوض من أجل شراء حقوق نصوص الروايات وتحويلها إلى أفلام للترويج للسياسة الأمريكية، وتعزيز صورة الحياة الأمريكية في العالم).
وكان لمنصات التواصل الاجتماعي دور لا يقل تأثيرًا عن دور صناعة الأفلام بل فاقها في بعض المجالات؛ لكونها سريعة الوصول للمتلقي؛ فأغلب الأفراد يحملون هواتفهم في جيوبهم، وفي لحظات يتلقون إشعارات كل منشور، وتختلف هذه المنشورات من حيث الفكر والتوجه، ولعلها في الغالب موجهة من قبل جهة معينة، تحاول أدلجة الناس لتحقيق أهدافها.
لذا نجد كثيرًا من شعوب العالم تخضع اليوم وبشكل أو بآخر لتلك الأدلجة وتطبقها من دون أن تشعر، وما نجده اليوم من تحولات ثقافية في شعوب المنطقة هو خضوعها لتلك السياسة التي تسللت ورسخت في الأذهان من دون أن يلحظها أحد، بل أصبح بعض يتبناها ويدافع عنها!.
لذلك لا يمكننا اليوم أن ننظر بعفوية وسذاجة إلى التغيرات الأيديولوجية التي طرأت على منطقتنا وبدأت تصادر ثقافتنا وعاداتنا وتجعل كثيرًا من الناس عبارة عن قطيع يساق وفقًا لتوجهات الغرب ونزواته، وينطبق هذا الأمر على توجه مجتمعاتنا للاحتفال برأس السنة الميلادية، فما هو إلا بتأثير من تلك السياسية الغربية التي استطاعت أن تبثها عبر مئات الأفلام العالمية المشهورة، فالشجرة وبابا نؤيل وكل ذلك لم يتجسد إلى الواقع إلا بعد تعلقه بالذهن عبر العديد من تلك المشاهد ولسنين عدة.
.